سعيدرحيم
في صلب ما تنغمس فيه فعاليات مجتمعية وإعلامية هذه الأيام لإصلاح “المدونة الأسرة” المغربية نود في هذه الورقة إثارة انتباه أصدقائنا، من ذوي النيات الحسنة – الحالمين ب”مدونة حداثية” في مجتمع إقصائي ذكوري – المنخرطين في هذا النقاش شبه العمومي – إلى نقطتين فقط لهما ارتباط وثيق بالموضوع؛ وهما تزويج القاصرات والعنف الأسري وذلك لما يكتنفهما من خلفيات وحمولات متعددة.
1- تزويج القاصر:
بداية نسجل بهذا الصدد أن تزويج القاصرات عندنا في المغرب يندرج في إطار مجتمعي له محددات ودواعي منها أولاً أنه ليس هناك من الناحية العاطفية الأبوية ما يحمل الأبوين على تزويج ابنتهما القاصر لولا ظروف الجهل والعوز والفقر المدقع في مقابل غياب البدائل الوظيفية بالنسبة للأسر وبالنسبة للفتاة القاصر. وهذا ما تنجم عنه كوارث إجتماعية تشهد عليها ردهات المحاكم والشوارع والسجون، خصوصا بعد الحمل والولادة.
إنه قبل صياغة وجهات نظر قانونية تزجر أو تمنع أو تبيح ظاهرة تزويج القاصرات كظاهرة نشاز حاطة من كرامة الإنسان، (المرأة بوجه خاص)، ينبغي طرح السؤال الجوهري على الدولة أولاً باعتبارها راعية المجتمع والقوانين من خلال مؤسساتها التشريعية والتنفيذية والقضائية. وعما قدمته هذه الدولة للمناطق وللأسر الفقيرة وللمجتمع برمته لكي تحاكمهم فيما بعد من خلال مدونة تكرس جحيم العلاقات الإنسانية المطوقة بالماديات أساسا دون أن يكون لها أي دور في تحفيز الوضع المادي والاقتصادي للأسر المغربية حتى تتجنب بوعي وباحتياطات مادية ومعنوية ظاهرة تسليع العلاقة الزوجية. ونتحدث هنا بتركيز عما توفره الدولة من الشغل والصحة والتعليم العموميين والسكن.. وعن الحرية.. التي على المشرع أن يضعها في المقام الأول لأجل وضع اللبنات الأولى لقيام خلية أسرية سليمة وبناء مجتمع سليم.
2- العنف الأسري:
أما بخصوص العنف الأسري. فالظاهر، ووفق ما سلف، أن الدولة بمؤسساتها السالفة الذكر هي أول من يمارس العنف على الأسر وعلى المجتمع وذلك من خلال نمطها الإقتصادي المبني على التفاضلية الإجتماعية، التي يطلق عليها السوسيولوجيون (التمييز الطبقي) ويتجلى ذلك أساسا في خوصصة القطاعات الرئيسية للأمن والسلامة المجتمعية على رأسهما الأمن الصحي والأمن التعليمي والأمن الغذائي.. إن سماح الدولة بتوغل الخواص في هذه المنظومات الحياتية يعد الضربة الطاعنة الأولى جذريا في الحق في قيام خلية الأسرية السليمة في المجتمع السليم، وليس المتعفن الذي تنتجه لنا الأنماط الطبقية الذكورية والإستبدادية.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنه برغم النقاشات والانتقادات التي أطلقتها الدولة في أفق تعديل “مدونة الأسرة”، فإن جل المؤشرات تدل على أن النقاش المجتمعي المسموح به حاليا لن يرقى – مع الأسف- إلى إنجاز ما يطلق عليه أصدقاؤنا ذوي النيات الحسنة “المدونة الحداثية”.
إن الدولة في هذا الإطار، ووفقا لتجارب سابقة، قد اعتادت على التعامل مع مثل هذه المواضيع التشريعية الاجتماعية الاقتصادية وحتى السياسية بالمنطق الذكوري المتعالي؛ (الدولة الذكر) والمجتمع الأنثى برمته (نساء ورجالا وتنظيمات سياسية ونقابية وحقوقية وجمعوية..) تنظر إليه على أنه ولية: ناقصة عقل ودين أي مجتمع قاصر وتجيز لنفسها التتصرف معه بمنطق “*شاورها ولا تأخذ برأيها*”.
ولذلك كما فعلت في دستور 2011 وأنزلت “جوكيرها” الجاهز، بعد نقاشات وعروض وندوات طويلة وعريضة، على طاولة الختم.. كذلك ستفعل مع المدونة المقبلة حيث الجوكير يلملم مساحيقه استعدادا لاكتساح الطاولة.
متعودة..!