بوشعيب شكير
يعد الاحتجاج تاريخيا وبصفة عامة وسيلة من وسائل التعبير الفردي أو الجماعي عن موقف من قضية ما عبر خوض شكل من الأشكال التعبيرية السلمية الملموسة كالوقفات والاعتصامات والمسيرات والإضرابات والبيانات ترمي إلى إيصال رسالة مطلبية، مادية ومعنوية، إلى الجهات الوصية عن القطاع المعني بالحركة الاحتجاجية.
انطلاقاً من هذا التعريف العام، يشهد المغرب دينامية احتجاجية واسعة ومتواترة ، خاصة في قطاع الصحة، حيث عادت الأطر الصحية مؤخراً إلى الإضراب العام تحت قيادة النقابات الصحية، التي دعت إلى تعليق العمل في المستشفيات العامة والمصالح الصحية (باستثناء أقسام المستعجلات والإنعاش) على الصعيد الوطني.
وتأتي هذه الإضرابات احتجاجاً على غياب الضمانات القانونية التي تؤمّن حماية الوضع الوظيفي للأطر الصحية، بالإضافة إلى مسائل تتعلق بالأجور.
وحسب البيانات الصادرة عن النقابات، في هذا الموضوع، فإن نسبة المشاركة في الإضراب تجاوزت 95% في مختلف المؤسسات الصحية، مما يعكس حالة الاحتقان والامتعاض السائد في القطاع، خصوصا في ظل فشل الحوار الاجتماعي مع الوزارة وتنصلها من التزاماتها السابقة.
لكن يبقى السؤال: هل هذه الاحتجاجات تُعبّر عن إرادة واعية ومنظمة لدى القواعد الصحية أم أنها موجهة من الأعلى؟ وهل هناك فعلاً حوار وتشاركية في اتخاذ القرارات بين جميع العاملين في القطاع الصحي؟ أم أن دور القواعد الصحية محدود، لتصبح مجرد أدوات بيد القيادات النقابية؟
نقدّم في هذا السياق الملاحظات التالية:
1. ضعف الديمقراطية الداخلية في النقابات: إذ يبدو أن القيادات النقابية تتعامل بانتقائية مع الملفات النضالية، مستخدمةً الإضراب وسيلة للضغط على الوزارة لاستئناف الحوار فقط، في غياب انعقاد المجالس الوطنية أو الاجتماعات العامة ذات السلطة التقريرية داخل المؤسسات الصحية. ولعل النقابات في قطاع الصحة يمكن أن تستفيد من تجارب الحركات النضالية الأخرى، مثل حراك التعليم وطلبة الطب، في تعزيز الديمقراطية الداخلية وضمان مشاركة واسعة للقواعد في اتخاذ القرارات.
2. ضرورة الاحتجاج الواعي: في ظل تراجع المناخ الاجتماعي واستهداف النقابات، يبقى الإضراب والاحتجاج الوسيلة الوحيدة المتاحة للدفاع عن الحقوق وتحقيق المطالب العادلة. ومع ذلك، يجب أن يُمارس الإضراب بمعناه الحقيقي وليس كفرصة للراحة أو العطلة. فالإضراب الذي يُعتبر استراحة ويشهد غياباً واسعاً للمحتجين في الشارع يطرح تساؤلات حول مدى الوعي النضالي للمشاركين.
3. غياب خط نقابي مستقل وموحّد: هناك حاجة ملحة لبناء خط نقابي مستقل قادر على رفع الوعي لدى العاملين، ويدمج بين نضالات مختلف القطاعات مثل الصحة والتعليم، لتشكيل جبهة موحدة قادرة على إحداث تغيير في سياسات الدولة تجاه الخدمات العامة. على النقابات أن تعيد النظر في إطار نضالي شامل يشمل كافة القطاعات المتضررة، وصولاً إلى إضراب عام شعبي يدفع باتجاه مراجعة السياسات النيوليبرالية التي تؤثر سلباً على القطاع العام.
في الختام، ندعو إلى تخليق العمل النقابي وإرساء ثقافة احتجاج واعي تشمل الإنصات للقواعد وإشراكها في اتخاذ القرارات المصيرية، مع مراعاة المصلحة العامة للوطن والمواطنين. إن توحيد جهود العاملين في قطاع الصحة يعدّ السبيل الأمثل لإنجاح المعركة النضالية وتحقيق أهدافها.