سعيد رحيم
ربما لا علم لوزير الداخلية الفرنسي بقولة هتلر التي رددها أمام قبر نابوليون حينما احتلت ألمانيا فرنسا. وقد قال الفوهرر وهو المعجب بشخصية بونابرت: “سامحني لأني هزمت بلدك..لكن يجب أن تعرف أن شعبك كان مشغولاً بقياس أزياء النساء بينما شعبى كان مشغولاً بقياس فوهات المدافع والبنادق!”.
مناسبة هذا الكلام التهديد الذي أطلقه الوزير الفرنسي في حق الصحفية والكتابة والناشطة الحقوقية زينب الغزيوي بسبب موقفها ضد الجرائم الإسرائيلية بحق الشعبين الفلسطيني واللبناني، وضد الإرهاب الإسرائيلي مشبهة إياه بالإرهاب الداعشي.
وعلى الرغم من أن الشعب الفرنسي اليوم ليس منشغلا بقياس أزياء النساء بقدر انشغاله بحياته اليومية فإن نتنياهو قد تمكن بدوره من “تقمص” نفس القولة – بهذه المناسبة – أمام قصر الإليزي وهو على خلاف هتلر – لا يحترم التاريخ الثوري لفرنسا مرددا نفس قولة الزعيم النازي: “سامحني لأني هزمت قيم وشعارات بلدك!”، فرنسا.
كيف لا ونتنياهو من نفس طينة هتلر المنحدر من أوروبا الشرقية كأسلافه من هرتزل وبن غوريون وغولدامايير وشارون وأولمرت..
لكن أن يغدو وزير داخلية فرنسا معاديا لحرية الرأي والتعبير كما عبرت عنه زينب – بعد أن منحتها فرنسا في وقت سابق جائزة “سيمون فيل” لحرية التعبير قبل أن تجردها منها – فهذا يعني ضربا للقيم التي بُنيت عليه فرنسا إبان ثورة عام 1790، والتي هزمها نتنياهو وقبله هتلر والمتمثلة في؛ (حرية، مساواة، أخوة) (Liberté, égalité, fraternité).
وللعلم فإن زعيم النازية العنصرية، الذي احتلت جيوشه فرنسا وهولندا وبلجيكا والدانمارك واللوكسمبورغ يوغسلافيا خلال ثلات سنوات(1939-1941) لم يقترف ما اقترفه جيش الاحتلال الإسرائيلي من جرائم؛ مجازر ومحارق وإباداة جماعية للشعب الفلسطيني الأعزل، على مدى 76 عاما، ومن تهديم للمنازل والمدارس والمستشفيات والمعابد وقتل النساء والأطفال والأطباء والممرضين والصحافيين موظفي الأمم المتحدة على مرأى ومسمع مؤسسات القانون والشرعية الدولية خلال عام واحد.. جرائم ضد الإنسانية تتناقص جملة وتفصيلا مع الشعارات الفرنسية التي يدوسها وزير الداخلية الفرنسي اليوم بقدميه.. فقط لأن أمثال زينب ينددون بالإرهاب الإسرائيلي ولأنها اعتبرت العلمانية في فرنسا مجرد شعار زائف عندما يتعلق الأمر بالإسلام وبحركة المقاومة الفلسطينية الإسلامية.
وربما من جهة أخرى؛ لا علم للسيد الوزير وأزلامه بأن المجندين من البلدان الإسلامية – الذين تنحدر زينب من أصولهم – وعلى رأسهم المجندون المغاربة، وهم بعشرات الآلاف، هم من قدموا أرواحهم فداء لتحرير فرنسا من الغزو النازي بزعامة ادولف هتلر.. وقدموا ما لا تقدمه إسرائيل – التي لم يكن لها وجود ٱنذاك – لفرنسا ولغيرها من البلدان الأوروبية المستعمَرة في الحربين العالميتين الأولى والثانية.
نحن علم جيدا أن فرنسا تعيش ضائقة اقتصادية وسياسية وجغرافية.. منذ سنوات. فقد تم طردها من عدة بلدان إفريقية بسبب تخليها عن المبادئ المؤسسة لها. وبسبب أطماعها اليوم في غاز منطقة غزة ولبنان للاستثمار فيه فإنها تتخلى مرة أخرى عن قيمها الإنسانية، التي بنتها الثورة، لكي تنضم بوجه مكشوف إلى أخطبوط القتل والمحارق والإبادة الجماعية لشعب تحت الاحتلال وخنق الأصوات الحرة التي ٱمنت بمبادئ الحرية والمساواة والإخاء، والتي لم تعد ملكا لبعض حفدة من استعانوا بالأمس بالمجندين المغاربة الذين شاركوا في الصفوف الأمامية في تحرير أوروبا من الفاشية والنازية التي عادت من جديد لتطل برأسها من فوهة مدافع الرأسمالية العالمية المتوحشة