كنت قاعديا في صفوف الحركة الطلابية الإتحاد الوطني لطلبة المغرب منذ نهاية سبعينيات القرن العشرين. ما يجعلني أعتز بهذا الانتماء صحة التوقعات التي تبنّاها هذا التيار النقابي منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي قبيل رفع الحظر القانوني على المنظمة الطلابية “أوطم”.
أهم ما بنيت على أنقاضه مواقف الطلبة القاعديين آنذاك الاعتراض على نتائج مناظرة إفران الرامية إلى تحريف التعليم الجامعي عن مهامه الوطنية وعن وظائفه العلمية والاجتماعية وجعله تعليما طبقيا إقصائيا لأبناء الشعب تحت ذريعة “الإصلاح الجامعي”.
هذا “الإصلاح” لم يكن في الواقع إلا تخريبا للتعليم العالي ظهرت تجلياته الخطيرة على البلاد سنوات بعد إنزاله بالقوة وبالقمع والاعتقالات نتج عنها استشهاد عدد من الطلبة وتعرض الكثير منهم للسجن أو النفي الاضطراري انتقاما من مواقف الرافضة لإذعان الدولة لإملاءات واختيارات خارجية؛ صندوق النقد الدولي من خلال تقليص كثلة الإنفاق على القطاعات الاجتماعية (الصحة والتعليم والتشغيل في للوظيفة العمومية). ومحليا بهدف الدفع في اتجاه تضييق الخناق على التعليم العمومي المجاني وفتح المجال أمام خوصصة هذا القطاع الاستراتيجي ضمن قطاعات اجتماعية أخرى تصب في صلب الخدمة العمومية التي توفرها الدولة أساسا والتي تخلت عنها خدمة للرأسمال الأجنبي وللتحالف الطبقي السائد، عملا بالشعار الذي “اختلقته” الأوليغارشيا “التعليم قطاع غير منتج” شعار الكارثة ضرب في العمق أول محرك للتنمية وتطور البلاد؛ العقل والفكر العلمي العقلاني مقابل ,توسيع رقعة الفساد والظلام وإدكاء الصراعات والعنف داخل الحرم الجامعي حتى يتسنى للمفسدين التوغل والتغلغل في شرايين مراكز الدولة من خلال التزييف والتحريف والتزوير..
لقد توقعاتنا في صف الطلبة القاعديين أن تؤدي هذه السياسة إلى خراب التعليم الجامعي ومعه خراب منظومة القيم والأخلاق. كان هذا مضمون كلماتنا أمام المحكمة عند اعتقالنا جورا من داخل اقسام الجامعة المغربية منذ مطلع الثمانينات.. رفضنا الجماعي لتلك المخططات رغم بقائنا فصيلا نقابيا وحيدا في الساحة النضالية بعد إفشال المؤتمر الوطني 17 للاتحاد الوطني لطلبة المغرب.
واليوم هذا هو الحصاد .. حصاد الإفلاس والفساد الشامل وضع على رأسه قيلش وأمثال قيلش في جل النقاط التعليمية.
إن المفسدين أعداء المغرب الحقيقيون الذين رفعوا قبل 45 عاما شعار “التعليم قطاع غير منتج” إنما كانوا في الواقع يهدفون إلى تحويل الجامعة المغربية إلى معامل لإنتاج فساد يعزز مواقعهم في مراكز السلطة والتسلط على رقاب شعب جرى تجهيله وإقصاؤه منهجيا لكي يراكموا المنافع والمصالح بغير استحقاق قبل أن تنهار صروحهم المبنية على فساد فوقي يواجهه نضال قاعدي.
*سعيد رحيم