تسجيل الدخول

الولاية القانونية على الأبناء.. ضمانا للمساواة بين الأبوين

المجتمع
said rahim18 أغسطس 2023آخر تحديث : منذ سنة واحدة
الولاية القانونية على الأبناء.. ضمانا للمساواة بين الأبوين

إعداد وتقديم: إيمان الرامي

ملخص تنفيذي :

* يأتي إعداد هذه المذكرة، بهدف تشريع أسري ضامن للمساواة بين الأم والأب بالتنصيص على جعل الولاية القانونية حق للأم والأب على حد سواء ولأحدهما في حالة غياب الآخر، من طرف  فريق العمل المكون من السيدة  إيمان الرامي الباحثة بسوسيولوجيا النوع الاجتماعي والأرشفة النسوية والناشطة الحقوقية، ثم السيدة شيماء شنيك الباحثة الأكاديمية بسوسيولوجيا النوع الاجتماعي والناشطة النسوية والحقوقية، والسيدة نصيرة الخمليشي نائبة رئيسة جمعية المرأة المناضلة، منسقة فريق تتبع عمل الجماعة بهيئة المساواة و تكافؤ الفرص و النوع الاجتماعي المنضويات تحت لواء جمعية المرأة المناضلة في إطار عملها الترافعي من أجل قوانين تحمي حقوق النساء وتضمن المصلحة الفضلى للطفل كما هو منصوص عليه في المواثيق الدولية والدستور المغربي. وكما هو معلوم لقد راكمت الجمعية تجربة طويلة في مجال الترافع لإصلاح القوانين، و كذا مواكبتها بعد دخولها حيز التنفيذ، وفي مقدمتها مدونة الأسرة ( 2004)، والتي جاءت لتخليص المرأة من وضعية التبعية من خلال تبويئها المكانة التي تستحق. بيد أن كل هـذه المرامي تظل مـن دون اكتمال، إذ تظهر الممارسة عجز المدونة عن مسايرة التطورات التي عرفها المغرب على مستوى الواقع اليومي للنساء ومساعيهن، وعدم انسجام عدد مهم من مقتضياتها مع الدستور ومع الالتزامات الدولية للمغرب، ومع باقي الإصلاحات التشريعية، لاسيما ما تعلق منها بدسترة المساواة بين الجنسين*.

ما من شك في أن مواجهة هذه الأوضاع، والبحث عن الحلول القمينة بتجاوزها، أو الحد منها على الأقل، ينبغي أن ينطلق من رؤى جديدة ترتكز على فكرة تطوير منظور جديد للمساواة بين الجنسين، ثم تجسير الهوة بين ما هو وطني وما هو دولي، وخلق انسجام بينهما، باعتبار أن المبادئ والقيم الإنسانية، كقيم الحق، والإنصاف، والمساواة  بين  الجنسين هي قيم سامية، يجب العمل على تكريسها كسلوك يومي، وترجمتها عبر مبادرات تشريعية نعتمدها كأساس لضبط سلوك الأفراد داخل المجتمع. فالأمر لا يقف عند حدود تخصيص نسب من المقاعد، أو تطوير تمثيلية النساء في مختلف المواقع، بل يتجاوز ذلك إلى مأسسة ثقافة المشاركة الفعلية المتساوية والمنصفة لكلا الجنسين في تدبير مختلف جوانب الحياة الخاصة والعامة، وضمان كرامة كل الأفراد. ومن هنا جاء التفكير في  إشكالية  الولاية القانونية على الأبناء  التي مـا زالـت تشـكل أحـد طابوهـات القانـون المغربـي، وهو ما يتجلى ظاهرا من خلال المواد 230 و231 و236 و237 بمنحها أحقية الولاية على الأبناء للزوج/ الأب، ويتعزز هذا المنظور بالمادة 236  بإضفائها صبغة القاعدة على المواد السالفة الذكر، إذ تنص صراحة على أن الأب هو الولي على أولاده وعلى أنه لا يجرد من ولايته إلا بحكم قضائي. كمـا أن المسـطرة القضائيـة تجرد المرأة مـن جميع حقوقها على هذا المستوى بموجب المادة 237،  التي تجيز للأب حق حرمان الأم من الولاية على الأبناء عن طريق تعيين وصي عليهم.

ويأتي النقاش حول تغيير النصوص المتعلقة بالولاية الشرعية للأب بالتزامن مع إطلاق ورش إعادة النظر في مقتضيات
مدونة الأسرة التي تم إقرارها سنة 2014.

السياق العام:

بالنظر للتجربة المغربية، يمكن القول أنه بقدر ما كانت تجربة تطوير القوانين المتعلقة بالمرأة تجربة متميزة، استطاعت أن تحقق في محطات أساسية، وباعتماد نوع من التدرج، مكتسبات تخدم أوضاع النساء القانونية، التي هي في النهاية خدمة للمجتمع ولمساره التنموي، بقدر ما قام المشرع المغربي بالحكم  علــى النســاء بوضــع مــن انعــدام الأمان بإعطائه حقوقا أحادية الجانب للرجل. ليبقى التساؤل المحوري والرئيسي: إلى أي حد استفادت المرأة المغربية من مبدأي المساواة والمناصفة سواء في الفضاء الخاص (الأسرة) أو العام (المجتمع( وما يستتبعه من مستويات مؤسساتية وتشريعية؟

يستمد هذا التساؤل شرعيته بالنظر لطبيعة عدد من التشريعات المرتبطة بأوضاع النساء، التي يجب الإقرار بأنها تجُبُّ الحركية التي حاولت إلى حد ما الاستجابة إلى واقع أصبحت تقوم فيه المرأة بدور مهم في الحياة العامة، كالتشريع الخاص بحق ولاية الأم على أبنائها ، والذي يمتح مضامينه من البنية القانونية التقليدية التي تميزت ببسط مظاهر التعسف والحيف والإقصاء في حق النساء.

ومما يؤكد أن ولاية الأب على الأبناء قاعدة وحق مطلق يحوزه، كونه يتمتع بأحقية تفويته للغير وفقا لما تنص عليه المادة 238 من تقييد ممارسة الأم للولاية بشروط، منها عدم وجود الأب أو فقدانه لأهليته.ولا يغيب عن بالنا أنه في كثير من الأحيان تجبر النساء على التنازل عن حقوقهن (كالتنازل عن التعويضات المالية التي يقرها القاضي بعد الطلاق/ أو على مستحقات الأبناء مقابل توكيل أو إذن صريح من الزوج) في حالة تعادل الابتزاز والمقايضة، والأدهى من ذلك أن هناك العديد من الأساليب الاحتيالية في إخضاع الأم الحاضنة تنطوي على هدر ممنهج لحق الأطفال، ما يعني أن  وضعية الأم الحاضنة في مجتمعنا قانونيا وضعيــة مضطربة يشــوبها كثيــر مــن اللبـس والغمـوض،  كما  أنها تحضر كإحــدى أهــم المشكلات التــي يثيرهــا الوجــود الاجتماعي للمــرأة المطلقة.
ويتضح من المقتضيات القانونية الخاصة بالولاية في مدونة الأسرة أن هذه الأخيرة تتناقض مع مقتضيات أخرى من قبيل  المادة 4 بتنصيصها على مسؤولية كل من الزوج والزوجة على قدم المساواة عن الأسرة، ثم المادة 54 بإلزامها طرفي العلاقة الزوجية أي كلا من الأم والأب، وعلى حد سواء، بضمان حقوق أطفالهم، ومنها ما يرتبط ارتباطا مباشرا بأعمال الولاية، و كذا المادة 51 التي جاءت هي الأخرى مؤكدة على وجود حقوق وواجبات متبادلة بين الزوجين، وفي مقدمتها، عدم انفراد أي منهما باتخاذ قرارات تتعلق بالأطفال ومسؤوليتهما معا في رعاية شؤونهم.

وما من شك في أن مواجهة هذه الأوضاع، والبحث عن الحلول القمينة بتجاوزها، أو الحد منها على الأقل، ينبغي أن ينطلق من رؤى جديدة ترتكز على فكرة تطوير منظور جديد للمساواة بين الجنسين، ثم تجسير الهوة بين ما هو وطني وما هو دولي، وخلق انسجام بينهما، باعتبار أن المبادئ والقيم الإنسانية، كقيم الحق، والإنصاف، والمساواة  بين  الجنسين هي قيم سامية، يجب العمل على تكريسها كسلوك يومي، وترجمتها عبر مبادرات تشريعية نعتمدها كأساس لضبط سلوك الأفراد داخل المجتمع. فالأمر  لا يقف عند حدود تخصيص نسب من المقاعد، أو تطوير تمثيلية النساء في مختلف المواقع، بل يتجاوز ذلك إلى مأسسة ثقافة المشاركة الفعلية المتساوية والمنصفة لكلا الجنسين في تدبير مختلف جوانب الحياة الخاصة والعامة، وضمان كرامة كل الأفراد.

وبالنظر لكون تجسيد هذه الرؤية يتطلب بالدرجة الأولى ضمان بيئة ملائمة وتمكينية، فمن الجلي أن النقاش العمومي- الحقوقي اليوم أصبح أكثر انفتاحا وداعما لبروز أشكال جديدة من محركات التغيير، بعضها يرتكز على نشر الوعي وتجنيد قنوات التنشئة الاجتماعية للتربية على قيم المساواة والعدل والإنصاف، مع إعادة التفكير في نماذج الرّجولة المعيارية داخل المجتمع والتي يعاني من آثارها السلبية ليس فقط النساء بل حتى الرجال أنفسهم من خلال التوقعات والإنتظارات الاجتماعية  المغلوطة الملقاة على عاتقهم، كسمة بارزة  للثقافة الأبوية-البطريركية الحاضرة بقوة في المجتمع المغربي، والآخر يتحقق  من خلال مدخل الإصلاحات التشريعية والمؤسساتية واعتماد سياسات مؤطرة للتدخلات.
التوصيات:

إذا كان المغرب قد  قطع أشواطا مهمة على مستوى ديناميته الإصلاحية لإرساء بيئة حامية وتمكينية حاضنة لحقوق النساء، على نحو  جعله يعتبر نموذجا رائدا، ومثال يحتذى به على الصعيد المغاربي والإسلامي، وذلك احتسابا لأهمية التعديلات التي أقدم عليها، والتي يمكن قياسها من خلال انخراطه في المنظومة الدولية لحقوق الإنسان ،و الرقي بحقوق المرأة من خلال دستور 29 يوليوز 2011 ، وإحداث هيئة للمناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز…، إلا أن هناك العديد من مظاهر القصور التي لازالت تعيق مسار الإنصاف والمساواة بين الجنسين، وهو الأمر الذي بات يطرح بحسبنا ملحاحية مراجعة العديد من القوانين، وملاءمتها مع الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، بهدف إلغاء جميع مظاهر التمييز على أساس الجنس. ويتعلق الأمر بمدونة الأسرة، لاسيما المواد230 و231 و236 و237 التي تحرم النساء من حق الولاية على أبنائهن .
ومن بين أهم التوصيات التي يمكن اقتراحها في هذا الصدد:

1- تحيين وملاءمة المنظومة القانونية مع كل المعطيات والمتغيرات التي يفرزها الواقع، خاصة في مجال حماية حقوق النساء، والأطفال، انطلاقا من الدور الأساسي الذي تضطلع به المرأة كأم، ثم باعتبارها شريكا أساسيا وعنصرا هاما في  المؤسسة الزوجية.
2- اعتماد سياسة تشريعية منسجمة ومندمجة تركز على مجال النهوض بحقوق المرأة بمختلف المجالات، وتعمل بشكل متوازن على رصد مكامن الفراغ التشريعي، والاختلالات المرتبطة بالجانب التطبيقي، دون إغفالها ضرورة  تبني المبادئ الحقوقية الكونية ذات الصلة بالمرأة كمرجعية أساسية في التشريع.
3- إعطاء حلول مؤقتة بنقل البث في قضايا الولاية على الأبناء للقضاء الاستعجالي،  لما لذلك من أهمية قصوى في حماية المصلحة الفضلى للأطفال، بصرف النظر عن الظروف العينية للنازلة.
4- العمل  على إعادة النظر في أسس النظام الأبوي البطريركي الذي يعطي للرجل سلطة مُطلقة على المرأة،  من خلال بناء فهم واقعي لعلاقات السلطة بين الرجال والنساء في أفق المأسسة لتصور جديد للرجال يتبنى مبادئ حقوق النساء، ومقاربة النوع الاجتماعي؛ حيث إن المساواة بين الجنسين ليست قضية حصرية بالنساء، فهي تهم النساء والرجال والفتيات والفتيان على حد سواء.
4- ممارسة وظيفة الأمومة و الأبوة خارج الإطار الذكوري الذي يفترض سيطرة الأب على الأسرة، ويجعله القائد والصانع للقرار بها، و المُحدّد لنظام القيم الذي يحكم  مصير/ مصالح الأبناء بشكل تلقائي وشمولي.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.