سعيد رحيم
قال الرئيس الرئيس الأمريكي جون بايدن في ٱخر خطاب له أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة حاليا بنيويورك – وقبل أسابيع على نهاية ولايته – إنه على كامل الاستعداد للعمل الدبلوماسي من أجل تسوية النزاعات المسلحة الخطيرة في العالم ومنها أساسا القضية الفلسطينية وقضية أوكرانيا..
وفي الواقع؛ فإنه ليس جديدا أن يركز رئيس دولة، كيفما كانت، على الدبلوماسية في حل النزاعات الدولية ولكن الأمر جديد بالنسبة للسياسة الخارجية الأمريكية، التي تعودت، منذ منتصف القرن التاسع عشر 19، على انتهاج سياسة الإنقلابات واغتيال رؤساء الدول والإطاحة بأنظمة سياسية مخالفة لتوجهاتها بشتى السبل وإشعال الفتن والتحريض على أسمته الفوضى الخلاقة التي أفزعت العالم عن طريق تنظيمات إرهابية متطرفة في القارات الخمس، خدمة لمصالحها التوسعية والإمبريالية.
قبل ثلاث سنوات من الٱن تعهد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، في خبر نشرته جريد “فيننشل تايمز”، بألاّ تعود أمريكا لاستخدام القوة لإسقاط الأنظمة، مشددا قوله “أننا سنقوم بالأمور بطريقة مختلفة.. لن نشجع على الديمقراطية عبر التدخلات العسكرية المكلفة أو بمحاولة الإطاحة بالأنظمة الاستبدادية بالقوة. لقد جربنا هذه التكتيكات في الماضي. ورغم حسن النية، إلا أنها لم تنجح”..
وقد تابعنا خلال العقود الماضية سلسلة من التدخلات الأمريكية العنيفة العلانية أو السرية للإطاحة بأنظمة مخالفة لمصالحها واستبدالها بأنظمة أخرى موالية لها عبر الإنقلابات والقتل وإعدامات لرؤساء دول بطرق شتى وتحطيم بنيات دول وصفتها ب”المارقة” فوق رؤوس اهلها عبر القصف الجوي. وكان من أخطرها إلقاء القنبلة الذرية على الشعب الياباني عام 1945.
هذه هي السياسة العنيفة التي أراد بايدن التخلي عنها والتي قال عنها بليكن ‘أنها فشلت وشوهت سمعة الديمقراطية وفقدت ثقة الشعب الأمريكي” ليركز في خطابه أمام الدورة 79 للجمعية العامة الأممية على استبدالها الدبلوماسية. وأي دبلوماسية؟
من حق الجميع وهو يتابع كلمة بايدن الأخيرة أن يتساءل عن فحوى ومغزى هذه الدبلوماسية بينما يعيش العالم، منذ عام كامل، على تطورات أخطر إبادة جماعية في التاريخ تمارسها إسرائيل على الشعب الفلسطيني فوق أراضيه المحتلة مخلفة مقتل أزيد من 41 ألف مدني أغلبهم من الأطفال والنساء والشيوخ وعشرات الٱلاف من الجرحى والمعطوبين والمفقودين وانتقال هذه الإبادة إلى لبنان، هذا الأسبوع.
حرب إبادة جماعية غير مسبوقة تدمر فيها إسرائيل الأخضر واليابس.. البشر والحجر .. إبادة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، بضوء أخضر من دبلوماسية الفيتو الأمريكي، الذي لا غبار عليه.
لقد فقدت الولايات المتحدة الأمريكية، منذ سنوات موقعها كوسيط للسلام في الشرق الأوسط بانحيازها الكامل إلى إسرائيل بل لقد أصبح المتابعون للصراع الشرق أوسطي يقرُّون بأن أمريكا هي إسرائيل وإسرائيل هي أمريكا، هي يدها التنفيذية في المنطقة.. تزودها بكل أنواع الأسلحة بما فيها المحرمة دوليا وبالمعدات الثقيلة والمساعدات من كل الأنواع وبارجاتها الحربية العملاقة تحميها من الخلف.
فلا يمكن، والحالة هذه، إلا استنتاج خلاصة واحدة من خطاب بايدن الأخير وهي؛ انتقال أمريكا من سياسة التدخل العنيف للإطاحة برؤساء الدول والأنظمة المختلفة معها إلى دبلوماسية الإبادة الجماعية للشعوب خاصة في منطقة الشرق الأوسط بما ينطبق مع مخططها المعلن عنه إقامة “الشرق الأوسط الجديد أو الكبير”.
ولذلك فإذا كانت التدخلات العنيفة السابقة قد شوهت سمعة الديمقراطية وفقدت ثقة الشعب الأمريكي – على حد قول بليكن ـ فإن الدبلوماسية “الجديدة” التي عبر عنها بايدن أمام الجمعية الأممية لا تختلف عن الإبادة الجماعية التي يقوم بها جيش الاحتلال الاسرائيلي للشعبين الفلسطيني واللبناني. وهي دبلوماسية لن تقل تشويها للديمقراطية الأمريكية وفقدان ثقة شعوب العالم وليس الشعب الأمريكي وحده في هذه القوة العالمية المتهاوية.