تسجيل الدخول

حين يصمت الجمر

2025-04-21T05:21:03+00:00
2025-04-21T05:23:13+00:00
اقلام حرةالمجتمع
said rahim21 أبريل 2025آخر تحديث : منذ 5 أيام
حين يصمت الجمر

حجيبة باسو /

في زمن تتسارع فيه الأحداث، و تتعالى فيه الأصوات من قلب الشارع المغربي، لم يعد مشهد العنف أو انتشار الجريمة مفاجئا. صار مشهدا يوميا نعيشه بمرارة. لا يدهشنا، بل يؤلمنا. جرائم، إدمان، انحراف… إشارات متلاحقة تنذر بانفجار اجتماعي وشيك، و الكل يسأل: ما الذي يحدث؟ و أين يكمن الخلل؟

الخلل ليس وليد اللحظة، بل هو نتيجة تراكمات متناسلة من التهميش، و التمييز، و سوء التدبير. شباب ضائع، تغتال روحه بطالة قاسية، و تقتات يومياته على الإحباط. و آخرون يستهلكون المخدرات حتى تفرغ جيوبهم و تغيَّب عقولهم. يغيب الوعي، و يظل الإدمان بوصلتهم الوحيدة للهروب من واقع يسحقهم… فينبثق انتقامهم من رماد فقر مزمن، و قهر مدفون، و جهل ممنهج. انتقام لا يعرف عدلا و لا تمييزا، فيتحول العنف إلى صراع بين فئات مسحوقة، تقتتل فيما بينها، بينما الفئة المستفيدة، ذات الامتيازات و النفوذ، تظل في منأى عن كل شيء.

تجّار المخدرات الحقيقيون لا يرون. وجوههم ناعمة، وأياديهم طويلة، تمتد حيث لا يصل القانون. خلف الستار تنسج خيوطهم، بينما يُقدَّم المستهلك البسيط ككبش فداء. هناك، تماما، تكمن الانتقائية: تطبيق القانون على الضعفاء، و تجاهل الأقوياء، فتغدو العدالة عبئا على من لا سند له، بينما القابعون في مراكز النفوذ يسرحون في حمى الحصانة.

الحرية التي نتغنّى بها أصبحت تفرغ من مضمونها. فهي ليست رفاهية، ولا امتيازا، بل حق أساسي يصان بالقانون . لكن حين تستغل الحوادث لتبرير القمع و تكميم الأفواه، يتحول القانون إلى مطرقة، لا ميزان. و تضيع دولة المؤسسات، حين يتحول الأمن من منطق حماية و ضمان سلامة المواطن إلى وسيلة للضبط و التخويف، و ينتزع منه معناه النبيل بسوط القانون.

أما حين تتخذ قرارات باسم “الإصلاح” في غياب البدائل، فالكارثة تكون أكبر. منع “الفراشة” من العمل، طرد حراس السيارات، هدم مساكن الفقراء باسم “تهيئة المدن”… كلها قرارات تفتقد للعدالة الاجتماعية، لأنها لم تسبق بخطط للإنقاذ، ولا ببدائل تحفظ كرامة من هدمت بيوتهم أو قطع مورد رزقهم.

قالها الشارع بكل بساطة: “استثمروا في الحجر، ونسونا نحن البشر.”
عبارة تختصر أوجاع أمة بأكملها. نشيّد الطرق، و نجمّل الواجهات، و ننسى أن الإنسان هو الأساس. لا مدينة جميلة بلا مواطن كريم، و لا زينة تخفي جرحا ينزف فقرا و إحباطا.

إن التفسير العميق لهذه الفوضى لا يمكن فصله عن التحولات الديموغرافية الكبرى. فقد عرفت البلاد هجرة داخلية ضخمة من القرى إلى المدن بسبب الجفاف و التهميش، فامتلأت الحواضر بالسكان العاجزين عن الاستقرار، فازدهرت العشوائيات، و تريّفت المدن، و تكدّست الأزمات الاجتماعية بدلا من حلها.

ثم جاء التطور التكنولوجي، ليقضي على الصناعات البسيطة. فاختفت المعامل، و سرح العمال، و تُركوا دون بديل. و في ظل سياسة تعليمية فاشلة، صار آلاف الشباب من حملة الشهادات ينتظرون “الوظيفة العمومية” و كأنها طوق النجاة الوحيد، بينما الواقع لا يقدم سوى مزيد من الإقصاء.

حتى المدرسة العمومية، التي كانت يوما صمّام أمان اجتماعي، لم تسلم من التآكل. بدل أن تحصن وتدعم، أُغرقت متخبطة في إصلاحات عقيمة، تتغير بتغير الوزراء، و تفرض دون تشخيص واقعي. تَمَّ تهميش دورها التربوي، و إفراغها من محتواها التكويني، فتراجع حضور القيم، و تفككت المنظومة، فصارت المدرسة مجرد ممر بارد، لا يورث وعيا ولا يمنح أملا.

أما الدولة، فقد تعاقبت عليها حكومات بأسماء حزبية مختلفة، يمينية كانت أم يسارية، لكنها جميعا ذابت في بوتقة الحزب المخزني، و توحدت في خذلان الوعود و التنصل من المسؤولية.و تسابقها نحو النهب و الاختلاس، و تخليها عن واجب الرعاية الحقيقية. اختلفت الشعارات، و توحد الانهيار.

و في النهاية، لا يمكن أن نلوم الشباب إن انفجر، و لا أن نستغرب إذا تحول صمته إلى عنف، لأن الشعور بالظلم يولد الكراهية، و الكراهية تنذر بالانهيار.

فإما أن نستثمر في الإنسان قبل البنيان،
و إما أن نستمر في نزيف هذا الوطن، حتى آخر قطرة من صبره.

ثم نقولها بمرارة:
جيل اليوم لم يعد مجرد شرارة تمرد عابرة، بل هو سلالة الحق المغتصب و الواجب المفروض!
جيل يجلد بسياط التكاليف، و يرغم على حمل أثقال المسؤوليات، بينما حقوقه الأساسية تدفن حية تحت أنقاض التجاهل.
هل ستخترق صرخات هذا الجيل آذان الصم؟
هل سيُستجاب لندائه قبل أن يتحول صمته المطبق إلى طوفان هادر، يجرف معه أسس هذا الظلم الراسخ؟

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.