مصطفى شكري
فوجئ الرأي العام الوطني بسقوط القيادي بحزب الأصالة والمعاصرة سعيد الناصري واعتقاله بمعية رئيس جهة الشرق ضمن شبكة الاتجار الدولي بالمخدرات..، فلم يكن من الوارد في ظل هيمنة حزب الأصالة والمعاصرة على ثلث المقاعد الوزارية وخاصة حقيبة العدل وفي ظل ترؤس الناصري لنادي رياضي كبير في حجم الوداد البيضاوي صدور قرار المتابعة في حالة اعتقال، لكن جرت الرياح بما لا ينتظره كبار المحللين السياسيين والاقتصاديين بالمغرب.. فلقد كان بالإمكان حسب الثقافة السياسية السائدة الالتفاف على هذا الحدث من لدن صناع القرار السياسي والقضائي بالمغرب.. لكن الشجاعة في اتخاذ القرار التي تحدث عنها وزير العدل عبداللطيف وهبي خلال الأيام القليلة الماضية حضرت على نحو غير متوقع وكان أبرز قياديي حزب وزير العدل في مقدمتها.. !!
لقد أكد وزير العدل عبد اللطيف وهبي، في جلسة الأسئلة الشفهية بمجلس المستشارين، الثلاثاء، 5 دجنبر الجاري أن ارتفاع عدد المعتقلين في السجون المغربية يعود إلى انعدام الجرأة في اتخاذ القرار من طرف وكلاء الملك والوكلاء العامون، مشيرا إلى أن الإعتقال الإحتياطي يستمر في المغرب بسبب عدم ربطه بالقانون، بل بالقرار متسائلا بالقول : “هل بإمكان وكيل الملك والوكيل العام اتخاذ قرار عدم المتابعة في حالة اعتقال؟ وأضاف وهبي قائلاً : “قلتها سابقا وأعيدها اليوم، لي خصو يكون فالحبس على برا، ولي خص يكون على برا كاين فالحبس.. هذا هو المغرب، وأضاف قائلا ” أن هناك وزراء وبرلمانيين ورجال أعمال وموظفين كبار متابعين في حالة اعتقال، متساءلا: هل هؤلاء لا يملكون الضمانات من أجل متابعتهم في حالة سراح؟” من المثير حقا أن يتزامن هذا الحدث المزلزل مع التصريح المشار إليه وكذا تزامنه مع رد شهير لوزير آخر في نفس الحزب الا وهو المهدي بنسعيد وزير الشباب والثقافة والتواصل ساعة سؤاله عن فحوى خلافه مع الممثل الكوميدي سعيد الناصري حيث أنكر معرفته به قائلا انه يعرف سعيد ناصري واحد فقط الا وهو رئيس الوداد البيضاوي!! فهل ما جرى بشأن هذه الواقعة كان من مكر الصدف كما يقال!؟ أم أن هناك ايادي خفية ردت على الوزيرين البارزين بما يناسب خرجاتهم الارتجاليه وتصريحاتهم المهلهلة.. ربما.. كما نتساءل إلى أي حد يمكن إدراج هذا الحدث ضمن الحملات السياسية المعهودة ساعة تأزم الأوضاع الاجتماعية وحاجة الرأي العام لإشارات مذكرة بالقبضة القوية للدولة وقدرتها على اتخاذ قرارات تطهيرية لخلايا الفساد السياسي والاقتصادي وعدم الاقتصار على تفكيك الخلايا الإرهابية المتطرفة..!!
إن الأوضاع الاجتماعية بالمغرب على درجة كبيرة من الاحتقان والتأزم خاصة بعد توالي سياسات التضريب ورفع الاسعار وتهجير ساكنة دور الصفيح بعدة مدن مغربية إضافة إلى تداعيات توالي سنوات الجفاف وتعثر الاستثمارات وغياب فرص الشغل وفشل النموذج التنموي القائم أساسا على الريع والاحتكار والمديونية وهلم جرا..، هذه الأوضاع التي تتحمل فيها القيادة السياسية لحزب الأصالة والمعاصرة النصيب الأوفر ليس فحسب منذ دخوله لحكومة عزيز أخنوش خريف 2021 بل منذ ساعة تأسيسه سنة 2007 واستئساده على بقية الفرقاء السياسيين سواء داخل المؤسسات او خارجها ولولا موجة الربيع العربي لكان هذا الحزب قد أتى على الاختيار الديموقراطي من القواعد وأرسى لدولة الحزب الوحيد..، كما استمر الحزب في نهجه الموسوم بالتحكم طوال ولايتي بنكيران والعثماني ولو من وراء حجاب، ليجد ضالته أخيرا في جلباب الملياردير أخنوش.. لقد حرص هذا الحزب على استقطاب ما يصطلح عليه ب”أصحاب الشكارة” دون النظر الى مصادر اموالهم وطبيعة أنشطتهم وسجلات سوابقهم ومستويات دراستهم.. بل راهن على تأسيس كتائب وفيالق من البلطجية او الشبيحة لاكتساح الاحياء الفقيرة والهامشية وتزكية كائنات إنتخابية همها الاوحد الاحتماء بكراسي السلطة ومواقع الحصانة والقرب من دوائر صناعة القرار السياسي لحماية امتيازاتهم التجارية والاقتصادية في تضارب صارخ للمصالح وضرب أوضح للقيم والمبادئ الديموقراطية..
ختاما نقول أنه آن الآوان لمراجعة مدونة اخلاقيات العمل السياسي بالمغرب وتطهير المشهد الحزبي من أباطرة الفساد ورعاة الريع وخبراء البروباغندا الغنائية والكروية.. آن الآوان لمراجعة السياسات الجنائية والانتخابية والرياضية والثقافية والإعلامية.. إن هذا الحدث المؤسف والمسيء لمدينة في حجم الدار البيضاء ونادي رياضي عريق في حجم الوداد البيضاوي وجهة ترابية جيو استراتيجيه في حجم جهة الشرق.. هذا الحدث لا يمكن ان يكون معزولا عن واقع سياسي واجتماعي مرير غارق في الفوارق والمفارقات والاختلالات.. واقع يدعو كل الضمائر الحية والبقية الباقية من شرفاء وفضلاء هذه الأمة إلى دق ناقوس الخطر بشأن الوضعية القيمية والاخلاقية بالمغرب شأنها شأن الوضعية المائية والمالية.. واللبيب بالاشارة يفهم.
*المقالة تعبر عن وجهة نظر صاحبها. ليست ملزمة للجريدة