بوشعيب شكير
نظرية النظم systems theory في العلوم السياسية هي رؤية مجردة للغاية وشاملة جزئيًا للسياسة، وتتأثر بعلم التحكم الآلي cybernetics .
تم تكييف نظرية النظم مع العلوم السياسية من قبل ديفيد إيستون (David Easton) في عام 1953.
ويعرف إيستون النظام السياسي( political system) بأنه مجموعة من التفاعلات التي يتم من خلالها التوزيع السلطوي للقيم في المجتمع؛ أي التفاعلات التي تتم عبرها ترجمة قيم المجتمع في شكل قوانين، قرارات وسياسات..باعتبار النظام السياسي مجموعة الأجزاء المرتبطة فيما بينها بشكل عضوي، يؤدي التغير في أحدها إلى تحول باقي الأجزاء. وهو نظام لا يعمل بشكل ذاتي ومنفرد بل يوجد داخل بيئة كلية تؤثر فيه عن طريق المدخلات (inputs) ويؤثر فيها بدوره عن طريق المخرجات(outputs )،
فالمدخلات وفقًا لإيستون هي مطالب المواطنين، والتي قد تتخذ شكل أصوات إحتجاجية أوأفكار أو مصالح أو مطالب اجتماعية أو سياسية وكذلك مطالب هوياتية .و تشير المخرجات إلى سياسات و قرارات وإجراءات الحكومات. هذا المفهوم البسيط إلى حد ما للمدخلات والمخرجات يسلط الضوء على مكونين أو متغيرين variables أساسيين من عملية صنع السياسات والقرارات .
وبالاعتماد على نموذج إيستون سنحاول في هذا المقالة إسقاط نظرية النظم ومفهومي المخرجات والمدخلات على الساحة الصحية بالمغرب وهي تعيش على وقع حراك مهنيي منذ شهور . ذلك إن المطالب المادية والقانونية التي حملها الملف المطلبي لحراك الصحة ضمن المدخلات التي تتلقاها الحكومة ،تتمثل في حاجات وأولويات ومطالب رجال ونساء الصحة والتي وصلت إلى درجة الإحتقان الإجتماعي والضغط كما هو الحال بالنسبة لحراك الصحة الحامل لمطالب عاجلة ومستعجلة شكلت نوعا من الضغط على الحكومة .
وتأتي هذه المطالب كرد فعل على إستفراد الحكومة بتنزيل مجموعة من القوانين الهيكلية التي ستغير وجه المنظومة الصحية وهو ما اعتبره كثير من الفاعلين الإجتماعيبن والسياسيبن خطوات تراجعية ترمي إلى تخريب و هدم لكل المكتسبات التي راكمتها الشغيلة الصحية لعقود .
ومن ضمن المدخلات(inputs) التي تلقتها الحكومة نذكر :
ـ صفة ووضعية الموظف العمومي ومركزية الأجور
ــ تعديل المواد 17,16,15 و18 من القانون رقم 08.22 والمراجعة الشاملة للقانون رقم 09.22.
ـالتنزيل السليم لقانون المجموعات الترابية الصحية
-وينضاف إليها مؤخرا حذف مقتضيات الفقرة 3 و4 من المادة 23 من مشروع الميزانية الفرعية لوزارة الصحة برسم السنة المالية 2025.
وحسب نظرية النظم قد تكون الاستجابة للمطالب إما كلية أو جزئية أو رفض أو تقديم بديل.فالحكومة المغربية أو الوزارة المعنية لم تستجب بعد لمطالب رجال ونساء الصحة وقابلتها بالإنكار أحيانا والمجابهة أحيانا واستعمال الحل الأمني وقمع الحراك أحيانا أخرى.
فالمدخلات والمطالب التي جاء بها الحراك والموجهة للحكومة ووزارة الصحة هي مطالب غالبية رجال ونساء الصحة وهي مطالب مشروعة وعادلة، لكن الحكومة فاقدة البوصلة بدل أن تنهج سياسة الإنصات والحوار المسؤول لتحقيق الملف المطلبي المشروع اختارت سياسة التجاهل والتنصل والإلتفاف حول المطالب والإنكار في ظل غياب أية وساطة سياسية أو مبادرة حوار حقيقي مع الفرقاء الإجتماعيين والنقابات التي تم اختراقها وأضحت مجرد لعبة في يد الوزارة تمرر بها سياساتها وأجنداتها على حساب رجال ونساء الصحة و الشعب المغربي المقهور.
ويبدو أن تباكي التنسيق النقابي بقطاع الصحة على عدم التزام الوزارة بمخرجات الحوارات والاتفاقات السابقة أصبح لازمة تتكرر لدى قياداتنا النقابية. فبعد كل احتفاء بتوقيع اتفاق اجتماعي تأتي حصةُّ اتهام الحكومة بالتنصل والمراوغة والالتفاف، ليشكل مبررا آخر لتأكيد المطالبة ب “مأسسة الحوار الاجتماعي”، كونه السبيل الوحيد لفرض إحترام القانون والالتزام بمخرجات ونتائج أي حوار مسؤول .
صفوة القول، يتبين مما سبق أن هناك عدة عوائق وإشكالات تعيق حل مشاكل قطاع الصحة وتحقيق الملف المطلبي المشروع من تجاهل نتائج ومخرجات مايسمى بالحوار الإجتماعي إلى فشل النقابات وهو ماينذر بأزمة في الأفق .
وإذا إستمر هذا النهج في التعامل مع الأزمة فإنه قد يؤدي إلى مزيد من الإحتقان داخل القطاع في اتجاه المجهول خاصة في ظل غياب مؤسسات وآليات حقيقية تلعب دور المنقذ Sauveteur /Secouriste، إضافة إلى غياب تمثيلية حقيقية للعاملين بالصحة وفقدان الثقة في المؤسسات النقابية الوسيطة.
وبناءا على كل ما سبق ندعو الجهات الحكومية تحمل مسؤوليتها و نطالبها ب:
– الحفاظ على مأسسة الحوار الاجتماعي والتقيد التام بمواعيد انعقاده، وتحويله إلى مؤسسة منتجة للقرارات والمكتسبات والإصلاحات.
– إخراج القوانين في إحترام للمقاربة التشاركية وفق الدستور والقوانين الدولية التي تحمي هذه الممارسة، -تحسين آليات التفاوض وحل هذا النزاع بما يحمي مصالح كل الأطراف.
إن تنزيل هذه الإجراءات هو الكفيل بإرجاع الثقة للعاملين بقطاع الصحة و سيكون له أثر بالغ على مستوى المحافظة على استتباب السلم الاجتماعي. ما لم تكن الحكومة توجهات وأجندات مناقضة تماما لمطالب شغيلة القطاع الصحي ولمطامح الطبقة العاملة المنتجة وعموم الشعب المغربي، وتلك الطامة الكبرى!.