نيوبريس24
يعرض المناضل التقدمي حسن الصعيب في هذه الورقة تجربة من بين التجارب الفكرية النقدية، التي تخلق تفاعلا جدليا بين أصحاب الاتجاه أو التيار السياسي الواحد. وبقدر ما يشتد حبل النقاش بين وجهتي نظر متعارضتين تتضح الفكرة أكثر بالنسبة للقارئ وللمتتبع لمثل هذه القضايا الخلافية. في هذه الورقة يتعلق الأمر باختلاف مناضلين محسوبين على الاتجاه الماركسي المغربي حول كيفية التعامل مع المشروع النسائي الوارد في كتاب “مانفستو 99%”.
نرجو أن يكون نشر هذه الورقة/ الشهادة للتاريخ مساعدا على تقريب الفكرة وإيلائها المكانة التي تستحقها في مجتمع باترياركي طبقي يعاني من أقوى الأعطاب على كافة الأصعدة والمستويات:
يقول حسن الصعيب في هذه الورقة:
“شهادة للتاريخ: عندما كنت عضوا في الكتابة الوطنية للنهج الديمقراطي ، عرضت مسودة كتاب ” المسألة النسائية بالمغرب في ضوء النقد الماركسي” سنة 2018 وبعد قراءتها من طرف الهيئة المذكورة وافقت على طبعها باسم منشورات النهج الديمقراطي، وكانت جملة من الأفكار الواردة في الكتاب من وحي نظرية إعادة الإنتاج الماركسية التي تؤطر ” كتاب مانفستو 99% “، لكن لا أحد اعترض عليها أو قام بنقدها بما فيهم التيتي الحبيب الذي كرس وقتا ثمينا لنقدها من خلال تدوينة قصيرة قال فيها :”انه لشرف عظيم أن ندافع على راية الماركسية اللينينية وان نجعلها خفاقة. كان يكفي ان نسدد ركلة الى مانيفستو النسوانيات اللائي أصدرن بيانهن من أجل حركة اجتماعية جديدة وقد وضعناه في المكان اللائق به باعتباره بيانا للشعبوية اليسارية وهي موضة فترة الردة والارتداد عن النظرية الطبقية الماركسية اللينينية”. كأنه حقق نصرا مبينا على أعداء الطبقة العاملة وأضحى منتشيا بهذا الانجاز العظيم، في الوقت الذي يهجم النظام السياسي على الجماهير الشعبية عمالا وكادحين في قوتهم اليومي ويرهن مصيرهم بإملاءات الصندوق النقدي والبنك العالمي والشركات الاحتكارية العالمية التي تنهب ثرواته ، وتتعرض المرأة المغربية لشتى ضروب الاستغلال والقمع، وعوضا الانخراط في نقاش حول الخطط النضالية والسياسية التي تخرج المرأة المغربية من عهد الوصاية والتحجر، سار يبحث عن النظريات الاجتماعية التي تطور نضال المرأة ليس في المغرب بل في العالم خصوصا لما بلورت كأسلوب نضالي جديد الإضراب الدولي النسائي ضد الرأسمالية والامبريالية والصهيونية، أليس هذا تحريف للنقاش السياسي الذي يحول اتجاهه نحو الحركات النسائية المناضلة عوض توجيهه ضد النظام السياسي الاستبدادي.
في المجتمع المغربي مثل كافة المجتمعات الأخرى، ليس محرك التاريخ هو الصراع الطبقي فقط، بل أيضا الصراع التاريخي بين المرأة والرجل، وكلاهما يتغذيان من هذين المعينين، في استشراف مستقبل الإنسانية نحو التحرر الشامل لكافة المضطهدين والمضطهدات، غير أن مفهمة هذه الثنائية بالنسبة لعموم الماركسيينن والماركسيات ظلت إما في خانة النسيان أو في خانة الاختزال، وقد ترتب عن هذا التفكير الماركسي خصومات وسوء فهم ، ساعد في تفكيك حركة التغيير ، ودعم من حيث لا يحتسب القوى الرجعية التي تستغل بامتياز المسألة النسائية في استمرار واقع الحال ، ونسف أحد الموارد الأساسية بالنسبة للماراكسيين والماركسيات في تعميق الصراع الطبقي، واستشراف المستقبل من أجل سيادة المشروع التحرري الاجتماعي.
لقد فوت اليسار المغربي في أوج صراعه ضد النظام الرجعي ، إمكانية استقطاب أوسع الجماهير النسائية، لكون بنياته التنظيمية والسياسية ظلت متخلفة عن احتضان تلك الجماهير، وحتى في الوقت الذي وعى بأهمية ذلك، وخلق أجهزة تنظيمية تحت مسمى ” القطاع النسائي” الموازي لعمل الهياكل الأخرى، فلم تحدث ثورة ثقافية تكرس مكانة رئيسية للعنصر النسوي في القيادة السياسية والتدبير التنظيمي، بسبب سيادة الثقافة الذكورية في بلورة البرامج التكتيكية والاستراتيجية، وتم وضع المسألة النسائية في المرتبة الثانية في اهتمامات اليسار بشكل عام ، فقد أدى ذلك إلى إفقار الموارد الاستراتيجية والتنظيمية لليسار ، من هنا فالضرورة الموضوعية تقتضي الوعي بهذه الاكراهات الذاتية والعمل بخطى تابثة من أجل خلق نسوية مغربية تحررية، تساهم في مشروع التغيير المستقبلي، ولتوضيح ما نرمي إليه، فالمقصود هو تعبئة كافة المضطهدات من الطبقات العاملة والكادحة والمهمشة، من أجل الانخراط في صيرورة تحررهن من الاستغلال والاستلاب والقمع، في حركة نسائية جماهيرية ، تقدمية ، ديمقراطية ومستقلة، لكن تحقيق هذه المهمة رهين بتمفصلها مع مختلف الحركات الاجتماعية ذات الأهداف المشتركة، وفي ذات الوقت رهينة ببلورة حركة سياسية يسارية متحررة من أوهام ” التوجهات اليعقوبية” ومن ” النزعة العقائدية ” المرتبطة بتاريخ الأممية الشيوعية، مع تخلصها أيضا من “النزعة الاختزالية للصراع الطبقي” .
إن بناء يسار أممي جدير بهذا الإسم، لن تكون له قائمة إن لم يعر اهتماما كبيرا للمسألة النسائية في كل أبعادها الاجتماعية والمجالية و يمنحها الحق في التنظيم والتكتل ضد الرأسمالية- البطريركية، ويضعها في مقدمة النضال إلى جانب الطبقة العاملة والشعوب المضطهدة، من أجل دحر الرجعية والامبريالية والصهيونية”.