تسجيل الدخول

الديمقراطية العسكريتارية الأمريكية

said rahim8 نوفمبر 2024آخر تحديث : منذ شهر واحد
الديمقراطية العسكريتارية الأمريكية

سعيد رحيم

ليس هناك رابط بين الديمقراطية والنظام العسكريتاري من حيث البناء الفلسفي و الأدبي للكلمتين. إلا أن الجمع بينهما في الوقت الحاضر بالولايات المتحدة الأمريكية راعية “الديمقراطية الغربية الرأسمالية البورجوازية”، بالذات، له وقع ٱخر.

فبينما المقصود من الديمقراطية في أصولها الفلسفية والثقافية “حكم الشعب للشعب” أي تولي المدنيين حكم أنفسهم بأنفسهم عن طريق تصويت العام، فإن الديمقراطية الأمريكية، فضلا عن ذلك، تنهل من المكون العسكريتاري حيث التصويت على حاكم مدني رهين بمدى تعلقه بالمرجعية العسكرية (المعادلة) التي وضع أسسها جيمس مونرو¹ 1823م”.

وتجد هذه المعادلة ضالتها في مبدأ “مونرو . الداعي إلى ضمان استقلال كلِّ دول نصف الكرة الغربي ضد التدخل الأوروبي وعدم السماح بتكوين مستعمرات جديدة في الأمريكتين، وكذا عدم السماح للمستعمرات التي كانت قائمة بالتوسع في حدودها.
أو إن شئنا القول؛ استبدال الإستعمار الأوروبي بالتدخل العسكري الأمريكي في المستعمرات القديمة والتحكم في توجهاتها العامة، وهو المبدأ الذي تطور فيما بعد.

فمنذ القرن 19 ستنتقل الولايات المتحدة الأمريكية من الإنعزالية إلى قوة عبر المحيطات، ثم بعد الحرب العالمية الثانية، التي نتجت عنها تداعيات سياسة خارجية سعت فيها أمريكا – متزعمة الحرب الباردة – إلى معارضة الشيوعية عبر اعتمادها التجسس وتغيير الأنظمة وخوض الصراعات بالوكالة وغيرها من الأنشطة السرية دوليًا، خاصة ضد الاتحاد السوفيتي السابق وضد بلدان أمريكا الجنوبية.

وقد مر مبدأ مونرو بتعديلات على يد الرؤساء الأمريكيين السابقين؛ ترومان وأيزنهاور وكينيدي وكارتر وريغان إلى أن وصل إلى جورج بوش الإبن، الذي اختصر المبدأ في قولته “من ليس معنا فهو ضدنا” (2001).

ولكي تحصن الولايات المتحدة الأمريكية مبدأها هذا فقد أقامت 800 قاعدة عسكرية تابعة لها في أكثر من 70 منطقة حول العالم، وفي أكثر من 150 دولة في القارات الخمس، وتتنوع بين قوات برية وبحرية وجوية، حسب بيانات واشنطن العسكرية، بالإضافة إلى القواعد النووية”.

وعززت واشنطن هذه المرجعية العسكريتارية بإنفاقها المتزايد على التسلح إلى أن جعلت منه الأول في العالم ب(561 بليار دولار)، حسب المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية.

كما عززت ذلك بالعنصر البشري حيث بلغ عدد الأفراد العسكريين المتمركزين خلال العامين الأخيرين في دول أجنبية أكثر من (228.390 جندي), وفقاً لتقديرات وزارة الدفاع الأمريكية.

وتتجلى نزعة العسكريتارية الأمريكية المتصاعدة في خطابات الزعماء السياسيين كلما حل سباق إنتخابي نحو البيت الأبيض.

وفي هذا المضمار يسجل المتتبعون للحملات الإنتخابية مدى حرص المترشحين لهذا السباق على تناول الخطاب العسكريتاري كما هو الشأن في الإنتخابات الأخيرة التي تفوق فيها الجمهوري دونالد ترامب على منافسته الديمقراطية كامالا هاريس في ظل أوج حرب الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين والحرب الروسية الأوكرانية، وهما الحربان اللذين تدعمها الإدارة الأمريكية بالمال والسلاح والإعلام.

فبالإضافة إلى علاقة الإنتخابات الأمريكية تاريخيا بإسرائيل باعتبارها عاملا حاسما في فوز هذا المرشح أو ذاك فإن خطاب ترامب بلغ درجة غير مسبوقة في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بحيث ربط المصير الوجودي لإسرائيل بمصير سباقه لرئاسة الولايات المتحدة وقد قال بالحرف “إذا لم أفز سيتم محو إسرائيل”. وإن “ما تمر به إسرائيل من موت ودمار هو نتيجة لأخطاء الحاضر”، و”إن الحرب (على غزة) يجب أن تُكسب، وأنها (إسرائيل) تحتاج إلى شريك قوي”.

ولذلك لا يدري المرء ماهي “أخطاء الحاضر”؟ ولا من يكون “الشريك القوي؟” إذا علمنا أن إدارة الرئيس جو بايدن، المنتهية ولايتها، قد قدمت دعما لإسرائيل وُصف بأنه الأكبر في عام واحد، حسب تقرير لمشروع تكاليف الحرب التابع لجامعة براون الأميركية.

لقد كان خطاب ترامب الداعم لإسرائيل العامل الحاسم في فوزه بالرئاسة رغم الدعم السخي السياسي واللوجيستيكي، الذي حظيت به إسرائيل من إدارة بايدن وغيرها، منذ عقود. لكنه دعم لم يزد سوى في تضييق الخناق على إسرائيل وعزلتها أخلاقيا وسياسيا، بفعل سياستها العدوانية في المنطقة.

كما أن استمرار العمل بمبدأ مونرو الذي كان الهدف منه في الواقع استبدال الإستعمار الأوروبي بالوصاية الأمريكية على المستعمرات السابقة بمبرر الديمقراطية قد جعلت جل هذه المستعمرات أكثر ابتعادا أو عداء لأمريكا كما هو الشأن في العراق وأفغانستان وفي بلدان من أمريكا اللاتينية.

ونتيجة لذلك يمكن القول؛ إن الديمقراطية العسكريتارية الأمريكية قد راكمت مديونية الدولة. فقد أفادت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية بأن دين الولايات المتحدة سيتجاوز ناتجها المحلي الإجمالي هذا العام، وهو وضع له أوجه تشابه تاريخية تنذر بنتائج قاتمة بالنسبة للدول التي تتراكم التزاماتها في دفع الفائدة على ديونها متجاوزة الإنفاق على الدفاع.

وحسب المؤرخ نيال فيرغسون² فإن “أي قوة عظمى تنفق على أقساط الديون (أقساط الفائدة على الدين الوطني) أكثر مما تنفق على الدفاع لن تظل عظيمة لفترة طويلة” وهو الأمر ذاته الذي حدث في الإمبراطورية الإسبانية والنظام القديم في فرنسا والإمبراطورية العثمانية والإمبراطورية البريطانية، وهو يلوح الآن في الولايات المتحدة الأمريكية.
——–هوامش———
¹- مبدأ مونرو بيان أعلنه الرئيس الأمريكي جيمس مونرو في رسالة سلّمها للكونغرس الأمريكي في 2 ديسمبر 1823م. نادى مبدأ مونرو بضمان استقلال كلِّ دول نصف الكرة الغربي ضد التدخل الأوروبي بغرض اضطهادهم، أو التّدخّل في تقرير مصيرهم. ويشير مبدأ مونرو أيضاً إلى أن الأوروبيين الأمريكييّن لايجوز اعتبارهم رعايا مستعمرات لأي قُوى أوروبية في المستقبل. والقصد من هذا البيان هو أن الولايات المتحدة لن تسمَح بتكوين مستعمرات جديدة في الأمريكتين، بالإضافة إلى عدم السماح للمستعمرات التي كانت قائمة بالتوسع في حدودها.
²- نيال كامبل فيرغسون ( Niall Ferguson)‏ (وُلد في 18 أبريل 1964) هو مؤرخ اسكتلندي يعمل في معهد هوفر. وفي البحث العلمي في جامعة يسوع أوكسفورد، وأستاذا زائرا في كلية الإنسانيات الجديدة، وفي جامعة هارفارد.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.