حسن العصيب
جادل الماركسيون كثيرا حول المضمون الطبقي والسياسي للحزب، وكتبت مصنفات كثيرة منذ البيان الشيوعي، غير أن تجارب” الاشتراكية الفعلية” و بناء الأحزاب الشيوعية والمنظمات النقابية عالميا، لم تفلح في تحويل تلك التجارب إلى تماثل الحزب مع الطبقة التي يعبر عنها، رغم تأكيدكل من ماركس ولينين وغرامشي وغيرهم من أن كل طبقة تخلق حزبها، ومرد ذلك أمران:
1-في ظل النظام الرأسمالي يقوم المجتمع على أساس تقسيم العمل: بين العمل الفكري والعمل اليدوي، بين المدينة والبادية،بين المرأة و الرجل، إن استمرار هكذا تقسيم عمل لا يسمح بتبوء الطبقة العاملة مكانة مركزية في بناء الحزب، وحتى في مرحلة متقدمة عندما تلتحق الطلائع العمالية، يظل عددهم ضعيفا مقارنة بالبرجوازية والبرجوازية الصغيرة ، وهم في الغالب يتشكلون كمثقفين ثوريين انتحروا طبقيا، وهي فئة متميزة عن الطبقة البرجوازية الصغيرة باعتبارها طبقة اجتماعية متنوعة في المجتمع.
2- السبب الثاني ارتبط بتجربة بناء الاشتراكية، حيث حافظ الاشتراكيون على نظام الشغل التايلوري ثم الفوردي الذي يعيد إنتاج تقسيم العمل بين البرجوازية والطبقة العاملة، رغم أن العمل بهذا النظام فرضته شروط تطور قوى الإنتاج، بسبب خروج النظام الاشتراكي من ظروف الحرب الأهليةوالحصار الإمبريالي منهوكا، ففي مرحلة جد متقدمة من الإنتاج الاشتراكي ، كانت الضرورة تستدعي تطوير أسلوب الإنتاج، بالقضاء على التراتبية الاجتماعية داخل المصنع والمؤسسات الموازية، وتقليص وقت العمل إلى النصف، وحدها كولونتاي عبرت عن هذا الرأي واختلفت مع لينين.
نخلص للقول أن الحزب الماركسي في الشروط الحالية لا يمكن أن يتماثل مع الطبقة التي يعبر برنامجه السياسي عنها ، بل أقصى ما يصل إليه هو استقطاب بعض طلائعها، وفي الحالات المتقدمة في النضال الطبقي هي تأسيس منظمات عمالية قريبة من الحزب، وهو ما فطن إليه مبكرا لينين، عندما ربط تأسيس الحزب الذي يضم مثقفين ثوريين بخمس منظمات عمالية ذات تراتبية سياسية من الدعاية للبرنامج الاشتراكي إلى تنظيم الإضراب العمالي.
في تجربة الحركة الماركسية اللينينية، وبشكل خاص تجربة منظمة إلى الأمام وفيما بعد من خلال تجربة النهج الديمقراطي ، كانت محاولات حتيثة لتحويل هذه التنظيمات إلى تمثيل الطبقة العاملة من خلال الطلائع العمالية، لكنها في الأخير فشلت في هذا المسعى، ولعل أسباب ذلك تعود إلى تخلف الفكر الماركسي في مواكبة التحولات السوسيولوجية للطبقات الشعبية وعلى رأسها الطبقة العاملة، إذ كانت وما تزال ، تفتقد إلى بلورة خطط تكتيكية بناء على تحقيقات ميدانية كما كانت تفعل بعض تجارب بناء حزب ماركسي، ويعود أيضا إلى عدم قدرتها على تبلور فئة المثقفين الثوريين كفئة تاريخية التي كان النظام دائما يقوم بتجفيف شروط ولادتها، بالإضافة إلى تهميش بروز مجتمع مدني مستقل وفاعل في سيرورة التغيير عبر خلق فضاء عمومي تصارع من خلاله مشاريع تغيير الدولة والمجتمع. هذه القضايا الثلاث تحتاج إلى تفصيل كبير، سيكون موضوع كتاب جديد لاستكمال مشروع القراءة النقدية لتجربة الحركة الماركسية اللينينة بصفة عامة وتجربة إلى الأمام بصفة خاصة.