تسجيل الدخول

درس من الجرح الفلسطيني المفتوح

اقلام حرةالسياسة
said rahim26 نوفمبر 2023آخر تحديث : منذ سنة واحدة
درس من الجرح الفلسطيني المفتوح

سعيد رحيم

في كل مرة، وحتى في أحلك الحالات – التي تعيشها الأقطار المسماة عربية بحكم انتماء سكانها للمنطقة الممتدة من المحيطة إلى الخليج – يأتي الأمل من فلسطين، البلد الأكثر ألما والأعمق جرحا بسبب تكالب قوى الاستعمار التقليدي والعنصري الصهيوني عليه منذ خمسة وسبعون عاما.

فلسطين في كل مرة، تعلمنا كيف نتعامل مع المحن ومع مصاعب الحياة.. مع انتظاراتها ومفاجآتها المؤلمة كيف نتعامل مع البناء بعد الهدم ومع القصف بعد كل هدنة غادرة.. كيف نعامل موتانا.. كيف نستخرجهم بأظافرنا من تحت الأنقاص كيف نحافظ على ابتسامتنا ونقاء أجسادنا وملابسنا ونحن نمد شارة النصر من تحت الركام وبين دخان نيران المدافع والقذائف القادمة من البارجات وحاملات الطائرات الحربية وحتى من قواعد العدو في بلدان الجوار.. كيف نكسو جوعنا بالتراب كأننا عائدون إلى أصل النوع البشري نصرخ في وجه المكيالين حتى لا يضيع حق طفلة وطفل سقت دماؤهم أرض ميلاد أيامنا هذه.. أيام هذا العالم الذي مازال يبحث عن إسقاط الوجه القبيح منه.. الذي يجعل الإنسان يستعبد أخاه الإنسان، يحتل أرضه وينقض عرضه ويلقي به إلى ثخوم الظلام.. ويأبى الدم الفلسطيني إلا أن يزيح عن العالم هذا الوجه القبيح الذي يذب خانعا في أوساط الأخشاب الهشة.

فلسطين تعلمنا كيف نتصدى للموت غير الطبيعي المخدوم والمخطط له سلفا في دهاليز حلف القتل والتهجير المتخفي خلف عنوان “مشروع النظام العالمي” الممتد على حزام الكرة الأرضية جنوب المتوسط.

وتعلمنا فلسطين كيف نقدس موت الشهادة وحياة الكرامة كيف نلملم جراحنا ونجعل من أشلاءنا صخورا وأحجار صوان تتكسر وتحترق عليها رؤوس طغاة العصر..

إنها تعلمنا كيف نتقوى حينما يتخلى العالم كله عنك!

وفي ظرف خمسة وأربعين يوما 50 يوما من العدوان الإسرائيلي الهمجي على المدينيين في قطاع غزة مخلفا أزيد من 15وألف شهيد أغلبهم نساء وأطفال وشيوخ أعطت المقاومة المسلحة الفلسطينية درسا جديدا، من جهة أخرى، لكل من ينتمي إلى المنطقة المسماة عربية وغيرها من يكتوي بنيران الإستعمار القديم والجديد درسا في مواجهة العهد النازي البئيس الذي عاد هذه المرة على ظهر الطائرات الحربية والدبابات الأمريكية الإسرائيلية.

وقد ظهر الوجه الحقيقي للنازية الصهيونية بوحشية غير مسبوقة بدعم كامل من الدول الأوروبية، ذات التاريخ الاستعماري على الفلسطينيين في غزة أساسا كرد فعل على الهجوم المباغث والمنظم للمقاومة الفلسطينية يوم سابع أكتوبر 2023.

رأينا، شاهدنا وتابعنا عبر قنوات تلفزية عدة وعبر مواقع التواصل الإجتماعي الفرق بين عمل رجال المقاومة المسلحة (حماس) على الأرض وبين عدوان القصف الجوي الإسرائيلي الذي صنفه الكثيرون جرائم حرب وأبادة جماعية للشعب الفلسطيني، بمن فيهم دول ومنظمات عالمية وأحزاب سياسية ومظاهرات ومسيرات شعبية غير مسبوقة عالميا.

إن الدرس الفلسطيني الذي نريد التركيز عليه في هذه الأسطر موجه إلى المواطن البسيط أو المثقف أو العامل الذي يستهدفه الإعلام الغربي القائم على حرب الأكاذيب من أجل السيطرة على العالم وتكريس معادلة القطب الوحيد لمختل.

في هذه الهجمة الإمبريالية الشرسة المناقضة لكل الأعراف والقوانين الدولية وغيرها وعلى خلاف ما كان ينتظره المواطن البسيط من الأقطار المنتمية إلى المجموعة الترابية “العربية”، لم تستطع هذه المجموعة مساعدة الفلسطينيين في هذه المجزرة ولو برصاصة واحدة دعما لمقاومتهم الشرسة للعدوان الغربي، على مدى 45 يوما، بل راحت بعض هذه الدول العربية والمدججة بأحدث الأسلحة، وتخاف من فضيحة عورتها في ظل استمرار الحرب، تتوسل خجولة وقف إطلاق النار. ومنها من سعى بكل جهده لمنع الاحتجاج والتظاهرات الشعبية المتضامنة مع المقاومة بل واعتقال مناضلين أو مواطنين فلسطينيين كما حصل في السعودية.

وللتذكير فإن السعودية حاربت الروس بالمال والعتاد وبالبشر في أفغانستان في ثمانينات وفي تسعينيات القرن الماضي ومولت فقهاء التنظير لدعوات الجهاد وبالأشكال الدنيئة بما فيه جهاد النكاح ضد سوريا.. وتجييشها تحالفا عسكريا دوليا ضد اليمن صاحب الدور الاستثنائي في هذه الحرب. وقدمت المال الطائل للرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترومب، نا هيك عن دول التطبيع التي لم يبق لها سوى المشاركة الفعلية في تقتيل الفلسطينيين بالنيران وغيرها.

في هذه الأثناء المرتدة قررت دول من أمريكا الجنوبية وإفريقيا، والتي لا تجمعها علاقات وشعارات الروابط القومية أو الدينية مع ساكنة المحيط الخليج، إتخاذ قرارات دبلوماسية صعبة على الكيان الصهيوني وعلى الإمبريالية نفسها وعلى كل المتعاطفين معها من خدامها أفرادا ومنظمات وكيانات…

ومن هذه الدول بوليفيا وجزر القمر وبنغلاديش وفنزويلا وجنوب إفريقيا
ترفع دعوة أمام المحكمة الجنائية الدولية ضد الإحتلال بالإضافة إلى مئات المحامين رفعوا دعوى بنفس التهمة.

وملخص هذا كله أن الشعوب التي تعيش في المنطقة الممتدة من جنوب غرب آسيا إلى شمال إفريقيا ستكون على خطأ فادح إن هي عولت على زعامات بلدانها في التحرر من رقبة الإستعمار القديم الجديد.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.