سعيد رحيم
من غابر الأزمنة تخوض الشعوب والأمم معارك لأجل الإقتسام العادل للثروة المادية وكيفية استغلالها وتوزيعها وإعادة إنتاجها.
هذا في المجتمعات التي بها أحزاب ونقابات طموحة تصارع وتضع نصب أعينها تحقيق مجتمع الوفرة والرفاه واستدامة الازدهار لأوسع المكونات الإجتماعية للبلد.
أما في مجتمعات الإستبداد فإن المسيطرين على الثروات المادية لا يقبلون الإقتسام ولا الحديث عن التوزيع العادل، خصوصا إذا كانوا خاضعين لقوة أجنبية تقايض استحواذها على الثروات الوطنية للبلد بتوفير الحماية لهؤلاء المتسلطين الذين يتحول دورهم إلى قمع وكسر عظام الأحزاب والنقابات الطموحة وإلى شراء ذمم بعض القادة والمتنفذين في المنظمات الحزبية والنقابية الفاعلة، عملا ب”سياسة العصا والجزرة”.
تحت سلطة الإستبداد، يصبح امتلاك الثروة الوطنية من شبه المستحيلات، وكأنها غير موجودة أصلا في البلد. ويتم طمس الحديث عنها في وسائل الإعلام الرسمية، بل وحتى مضايقة وملاحقة من يصر على إثارتها باعتبارها شأنا عاما وعموميا يحتسب على إثرها الناتج الداخلي الخام للدولة(PIB) كمعلومة قاعدية(basique) لبناء التصورات المرحلية المتوسطة والبعيدة المدى لمسار البلاد، بأكملها.
لكن سياسة الطمس والتعتيم وتكسير العظام والعصا والجزرة تجعلنا أمام لوحة قيادة ضبابية
( Tableau de bord brumeux).
ولذلك يصبح احتساب الإنتاج الداخلي الخام للدولة على قاعدة الثروة البشرية بدل الثروة المادية. وهذا ما يسعى المسيطرون على الثروة ترديده عبر أجهزة وقنوات الإعلام الرسمي لطمس المعلومة الخاصة بالثروة المادية. وحتى لا تتحول هذه القاعدة/المعادلة إلى “حق يراد به باطل” فإنه يجب الإقرار بأن الثروة البشرية هي فعلا الثروة الحقيقية للبلد، كما هو الحال بالنسبة للمغرب ومن يشبهه في العالم.
وقد شهد الصراع على اقتسام الثروة في المغرب كل مظاهر الإجحاف المشار إليها آنفا من تكسير العظام إلى سياسة العصا والجزرة وطمس المعلومة مما جعل الحديث يرسو، بدون مواربة، عند قلعة الثروة البشرية التي تحدد طبيعة وقيمة الناتج الداخلي الخام للبلد.
وبناء على هذه الحقيقة يمكن الإمساك بميزان الخيط، كما يقول البناؤون حينما يقيسون مدى استقامة البنيان حتى لا ينهار.
وبما أن الأمر كذلك فالثروة الوطنية، التي يمكن مساءلة الدولة ومؤسساتها عنها تتمثل أساسا وجوهريا في الثروة البشرية نواة الناتج الداخلي الخام، وتحديدا، في قيمتها التربوية والتعليمية والعلمية وعدد الخرجين سنويا من المفكرين والمهندسين والأطباء والتقنين من مستويات عليا.. وأعداد الأطر الكفأة وعن البنيات التحتية للمؤسسات التربوية والتعليمية والصحية وعن ظروف اشتغالها باعتبارها معامل وحقول الناتج الداخلي الخام للدولة، وأساسا عن القيم الأخلاقية والوطنية التي تنتجها هذه المعامل.
إن الصراع الحالي حول التربية والتعليم ببلادنا لا يمكن أن ينفصل عن الصراع الذي خاضته وتخوضه باقي الشعوب والأمم الطموحة عبر التاريج من أجل اقتسام ثرواتها المادية.
إنه صراع ليس بقصد الإطاحة بفلان أو علان ممن لجأوا إلى تكسير عظام الأحزاب والنقابات الطموحة وإنما لخلق شروط التغلب على الجهل والتجهيل والفقر والتفقير والأمراض الجسدية والنفسية والعقلية والتسول والتخلف.. المظاهر التي تنتشر في البلد وتضعف الثروة البشرية رقم واحد.
إنها المعركة التي يجب أن تبقى مفتوحة لأجل التأهيل والرفع من قيمة الناتج الداخلي الخام في المغرب، الذي هو الثروة البشرية مجال الإبداع والابتكار وإنتاج الثروة بكل أشكالها.