أو العشق الذي أنجب ثورة
سعيد رحيم
الورق الذي طبع به كتاب “شغف وإرادة، رهان في الإعلام والثقافة والسياسية” من النوع الرفيع.. ولكن ما كتب على هذا الورق أرفع من الورق ذاته.. شخصية سيرة رجل وإنسان ليس عاديا..
من أين جاء هذا الرجل؟ هل هو إنس أم ملاك أم خلية هلامية تخللت حلما مزعجا في ليلة سادها الرعب لكي تميط اللثام عن مزعج الأحلام، تقعده على الأرض وتنزع عنه شوكة السم القاتل في زمن كانت عملته الأساس القتل والرعب والرصاص؟
صدقني أيها النبي في زمن الكفر أني لم أكن أعرف كل التفاصيل الواردة في رسالة “سبريس؛ الشغف والإرادة..” – إصدارك الأخير، سيرة حياتك – وأنا واحد من الذين اقتحموا ميدان الصحافة من زاوية اليأس من رماد مخلفات الحركة الوطنية، بأمل الإسهام في تحريك المياه الراكدة، بعد عقد على مولود هذا العملاق المجنون من رحم الرماد ذاته..
تلك من معجزة الأنبياء.. وهي كذاك عندما ينقلب اليأس إلى الأمل.. عندما يتحول الرماد إلى نار لتدفئة القلوب الباردة وإعادة بعث الروح في أغصان أشجارها الذابلة.
كم أنت مجنون يا محمد عبد الرحمان برادة تعبث باللامعقول وتدوس على العبث وعلى الخنوع وتحطم الأصنام في العقول وتعيد صياغة الحجر الصوان حتى يصير زخرفا وأثافي إعداد نَخب ما بعد التعب.
ولكن الأذهى أن صائغ الأثافي هذه هو نفسه حطبها الذي لا ينضب.
وبيني وبينك، حتى لا يسترق سمعنا المتلصصون، فإن التاريخ الذي خذلنا قد فتح لنا بوتقة أمل في ذلك الزمن القاهر فكانت “سبريس” – وفق كتابك شغف وإرادة – فكرة، رسالة.. وإذا سمحت لي أن أقول؛ ثورة على جسد آخذا في التعفن بفعل تداعي أطرافه المصابة بالوهن. هل أنت طبيب جراح يا ابن عبد الرحمان لتلتئم على يدك هذه الأطراف.. هل سكنتك مهنة النبي داوود لتصنع من السحيق الأحفوري للأطراف الواهنة تلك – وآنذاك – شهابا مشتعلة تخترق كبد العجز عن لمّ الشتات..
هكذا الأمور بالنسبة للواقع.. حتى لمن كان يجهل حقيقة دوران عجلة التاريخ في زمن العصي والاستعصاء، الذي لا يقاومه سوى الشغف والإرادة في كل شيء، بما في ذلك الإرادة السياسية..
وللذين سيقرأون هذه الومضة البسيطة جدا في حق هذا الهرم الشامخ من خلال كتابه “شغف وإرادة” الإنتباه إلى آليه اشتغال هذا الرجل الاستثنائي أكثر من الإنتباه إلى أي شيء آخر.. إنها الروح التي لا تنبعث إلا في القلائل عبر التاريخ البشري. ولو أراد صاحبها – الذي يهلكنا بدروسه الصامتة في التواضع – أن يضاعف من سرعة تلك الروح الناذرة في ذلك الزمن المعتل لكان لنا في وطننا شأن عظيم..
آليته..! تلك الروح الخلية الهلامية التي تخللت حلما مزعجا ذات ليلة سادها الرعب لكي تميط اللثام عن الكائن المزعج وتحول رعبه إلى الأمل المنشود.. ما أحوجنا إليه اليوم.
ختاما ولعلم القارئ فإني لست صديقا حميما لمحمد عبد الرحمان برادة ولا من أصدقائه المقربين.