مصطفى شكري
شهدت مهنة الصحافة في السنوات الأخيرة تطورات كثيرة لم يستطع العقل التشريعي ببلادنا مجاراتها واكتفى بتطوير الجانب العقابي حبسا وتغريما لإيقاف عجلات هذا التطور الذي قض مضاجع المستفيدين من ريع الإعلام وامتيازاته، فحسب السلطات الإعلامية الوصية على القطاع فإن عدد الصحف الإلكترونية المصرح بها بلغ 1215 إلى غاية شتنبر 2023. وقبل الشروع في بسط نقاط هذه الورقة نذكر كل من يهمهم الأمر أن أول قانون للصحافة بالمغرب صدر في 15 نونبر 1958 بمقتضى ظهير شريف رقم 1.58.378 موقع من قبل حكومة أحمد بلافريج، وهو قانون صدر قبل صدور أول دستور للملكة وقبل وجود البرلمان، يتضمن ثمانين فصلا مقسمة إلى خمسة أبواب
ندعو في هذه الورقة إلى مراجعة عميقة للترسانة التشريعية المتعلقة بالصحافة والنشر وإسناد هذا الأمر لأهله دون إقصاء أو تهميش أو تعسف في تأويل ماهية الصحافة وهوية الصحفي، والتفكير مليا في سبل دعم عموم العاملين في هذا القطاع الحيوي بدل الاجتهاد في إذلالهم وبخس حقوقهم المشروعة. إن قانون الصحافة في مادة الحريات يعاكس التصور الحقوقي والاجتماعي المعلن رسميا بموجب نصوص الدستور وأهداف المشروع التنموي الجديد فالفصل السادس من الدستور ينص على ان القوانين لا تسري بأثر رجعي لكن مع الأسف، نرى أن قانون الصحافة جاء بأثر رجعي ويطالب المنشآت الصحفية بالملائمة مع القانون الجديد. وهكذا تم إقبار مئات المقاولات الإعلامية كما أن قانون المجلس الوطني للصحافة فصل على مقاس اصحابه ومهندسيه فلا يعقل أن يضم بنود تنص على أن من شروط الإنتساب إليه أن تكون للعضو تجربة وأقدمية إعلامية تفوق 15 سنة من الممارسة، فأين هي سياسة التشبيب !!! كما نسجل إجحافا قاسيا بالمادة 16 من هذا القانون، هذه الأخيرة التي جعلت 4500 صحفي عامل بموجب قانون الحريات العامة لسنة 58 يتقلص الى 2600 فقط..!!
أولا: تأسيس هيئة خاصة بالصحافة الالكترونية
إننا نقترح تأسيس هيئة خاصة بالصحافة الالكترونية والعمل على تأطير وتكوين الشباب الشغوف بالصحافة الرقمية بدل اقصائهم بترسانة كبيرة من القوانين وإحداث صندوق لدعم وحماية المصورين الصحافيين وتخويلهم حقوقا تصون كرامتهم بالإضافة إلى مراجعة القانون المنظم للمجلس الوطني للصحافة و تفعيل وإقرار المبدأ الدستوري خاصة في بنده المتعلق بعدم رجعية القوانين وتطبيق ذلك على مسالة الملائمة وخاصة للدين سبق لهم الإستفادة من الترخيص في إطار قانون الحريات العامة و إعادة النظر بالنسبة للشهادات المطلوبة للصحافيين خاصة الإجازة واعفاء المصور الصحفي منها والاكتفاء بدبلوم التكوين. وتشجيع المقاولات الإعلامية الناشئة و إعادة النظر في توزيع الدعم للإعلام بصفة عامة والالكتروني بصفة خاصة.
ثانيا: ضرورة إعادة النظر في شروط منح البطائق المهنية
إن الشروط التي وضعتها اللجنة المؤقتة لتسيير شؤون قطاع الصحافة والنشر التي يترأسها يونس مجاهد، الرئيس المنتهية ولايته للمجلس الوطني للصحافة المغربية غير قانونية ولا دستورية ووجب إسقاطها بعد ان تم الانفراد بإصدار نظام خاص بتنظيم الولوج إلى ممارسة مهنة الصحافة، وما نجم عن هذا السلوك اللاديموقراطي من توتر واحتقان غير مسبوق داخل الجسم الإعلامي ببلادنا. إن الإجراءات الصادرة عن اللجنة المؤقتة بخصوص منح البطاقة، غير قانونية، وتتعارض مع توجهات المملكة الساعية إلى تطوير ودعم الصحافة الوطنية كما تتعارض مع نصوص الوثيقة الدستورية وهو ما يتطلب إسقاطها من لائحة الوثائق المطلوبة والإبقاء على الشروط المعتمدة سابقا، إلى حين مراجعة القانون المتعلق بتنظيم المجلس الوطني للصحافة وانطلاقا من إيماننا بكرامة الصحافيات والصحافيين وحقهم المشروع في بطاقة الصحافة المهنية والارتقاء بأوضاعهم المهنية والاجتماعية ندعو الى ضرورة احترام المنهجية التشاركية ومباشرة الحوار والتفاوض من أجل مراجعة القوانين المنظمة لقطاع الصحافة والنشر، ومعالجة الاختلالات البنيوية والهيكلية التي يعرفها القطاع
ثالثا: أهمية التنظيم الذاتي للصحافة
كما نؤكد على أهمية التنظيم الذاتي للصحافة لتجنب إصدار قوانين تؤثر على حرية الإعلام من غير المتخصصين في المهنة، وحتى يشارك الصحفيون والإعلاميون بوعي في صياغة النصوص القانونية والتنظيمية التي تهم حرية الفكر والرأي والتعبير والصحافة والنشر، والحصول على المعلومات وتداولها وحرية امتلاك الوسائل الإعلامية والتقليل من الدعاوى القضائية المرفوعة ضد الصحفيين والمؤسسات الإعلامية
رابعا: ضرورة تجاوز إشكالية رخص التصوير في الإعلام الإلكتروني؟
إن انتشار الصحافة الإلكترونية بالمغرب رافقه إشكال يخص منح رخص تصوير الفيديو حيث يمنع تصوير أحداث في الشارع العام دون الحصول على ترخيص مسبق يمنحه المركز السينمائي المغربي طبقا لقانون الصناعة السينماتوغرافية رغم أن هذا القانون لا يشير سوى إلى شركات الإنتاج الراغبة في إنجاز أفلام سينمائية وأشرطة مهنية، وكذلك إلى القنوات التلفزيونية التي تنجز تقارير مصورة، ولا يتضمن أي أحكام تخصّ الإعلام الإلكتروني. ورغم محاولة قانون الصحافة والنشر الإجابة عن هذا التساؤل، من خلال المادتين 34 و 35 و “أن الصحف الإلكترونية التي استوفت شروط التصريح القانوني، وحصلت على شهادة الإيداع دون وجود أيّ اعتراض كتابي ومعلل، ستستفيد من رخصة للتصوير، مسلّمة من المركز السينمائي المغربي، صالحة لمدة سنة، وخاصة بالإنتاج السمعي البصري الموجهة لخدمة الصحافة الإلكترونية، وذلك بعدما تضع هذه الصحف التصريح الخاص بها لدى الهيأة العليا للاتصال السمعي – البصري” الا أن الإشكال القانوني لازال قائما حيث لا يوجد أيّ موقع إلكتروني مغربي حاصل حاليًا على رخصة مسلّمة خاصة بالتصوير رغم وجود طلبات بالحصول عليها.
إن منح رخص التصوير للمواقع الإلكترونية يخالف أصل القانون الذي يعتمد على الحرية كمبدأ، حتى ولو كانت هذه الرخص تستمر لعام كامل، كما أن منح المواقع الإلكترونية هذا الامتياز يجعل من كل مواطن يقوم بالتصوير عبر هاتفه المحمول مخالفاً للقانون وحسب شبكة الصحفيين الدوليين فإن “القانون المنتظر يستثني كذلك منتجي محتوى اليوتيوب الذين يحتاجون للتصوير في الفضاء العام ولا يحملون صفات صحفيين التي ينصّ عليها المشروع المنتظر”، و أن الاتجاه إلى تقنين التصوير في الفضاء العام “يضرب حرية التعبير، ويضيّق على حرية الإبداع،” هذا علما أن المواطن بالدول أوروبية لا يحتاج سواء أكان إعلامياً أم لا، إلى طلب أيّ رخصة للتصوير، وإذا ما ادعى طرف ما بتعرّضه لضرر أثناء التصوير، فما عليه سوى اللجوء إلى القضاء الذي بمقدوره التأكد من وقوع هذا الضرر.
خامسا: عدم جواز تطبيق أحكام القوانين الأخرى على الأشخاص والوقائع التي تسري عليها مدونة الصحافة والنشر
إن الفقرة الأولى من الفصل 28 من دستور 2011 تنص على أن “حرية الصحافة مضمونة، ولا يمكن تقييدها بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية” كما ينصّ الفصل نفسه في الفقرة الثانية منه على أنه “للجميع الحق في التعبير، ونشر الأخبار والأفكار والآراء، بكل حرية، ومن غير قيد، عدا ما ينص عليه القانون صراحة”، كما ان القانون رقم 88.13 الـمتعلق بالصحافة والنشر، ورغم الـمكتسبات التي تضمنها، فإن الحاجة إلى مراجعته باتت مطلوبة بإلحاح، ف المادة 17 من القانون رقم 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر، تقول فقرتها الأخيرة: “لا تسري أحكام القوانين الأخرى على كل ما ورد فيه نص صريح في مدونة الصحافة والنشر”، وهو ما يعني وفقا لمبدأ المخالفة، أن كل الجرائم التي لـم ينص عليها قانون الصحافة والنشر، تخضع للقوانين الأخرى، خاصة منها القانون الجنائي، وإن ارتكبت بواسطة وسيلة إعلامية.
سادسا : ضرورة تعديل المواد المتعلقة بتنظيم الإشهار في الصحافة المكتوبة أو الإلكترونية.
إننا نطالب بإحداث هيئة وطنية لتنظيم الإشهار، تسند إليها تنظيم الإشهار في الصحافة الـمكتوبة والإلكترونية؛ وضمان حيادية قطاع الإشهار في علاقته بمختلف الفاعلين؛ وإرساء قواعد تعاقدية مبتكرة في علاقة الـمعلن والناشر ووكالة الوساطة في مجال الإشهار؛ بالإضافة إلى التشجيع على الاستثمار من أجل إرساء قواعد صناعة إشهارية قوية من شأنها مواكبة وتيرة التطور الذي يعرفه الإعلام بالـمغرب
لقد تـم تنظيم الإشهار في الصحافة المكتوبة والإلكترونية، بموجب الباب الخامس من القانون رقم 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر، ولاسيما المواد من 62 إلى 70، إلا أن ذلك لـم يتضمن أجوبة حقيقية عن الإشكالات التي تعرفها المقاولات الصحفية بخصوص توزيع الإشهار، لذلك لا بد من تدخل عاجل وصارم لإنقاذ سوق الإعلانات المغربية من استحواذ عمالقة الإنترنت، فعلى المستوى العالمي ثمة عدد من الدول التي دافعت عن المقاولة الإعلامية وعلى الصحافة المحلية، من خلال إلزام الفاعلين العمالقة في مجال الإنترنت (فيسبوك، غوغل، وغيرهما)، على إرجاع نسبة من المداخيل. كما ينبغي على الدولة أن تخرج مؤسساتها الإعلامية من مجال المنافسة حول الإعلانات وتتولى تمويلها بالكامل بما أن الأمر يتعلق بخدمة عمومية تقع على عاتق الدولة. وختاما نذكر بمقولة الكاتب الفرنسي الشهير فولتير “الصحافة هي آلة يستحيل كسرها، وستعمل على هدم العالم القديم حتى يتسنى لها أن تنشئ عالمًا جديدًا”
* المقالة تعبر عن رأي صاحبها