2023/05/14 – 04:17
سعيد رحيم
أثار تنتباهي هذه الأيام، مثل باقي المهتمين بالشأن العام بمدينة بوزنيقة، قراراستدعاء رئيس جماعة بوزنيقة المعزول قضائيا محمد كريمين للمثول أمام قاضي التحقيق في إطار قضايا ترتبط بالفساد الإداري والمالي وفي قطاع التعمير بالبلدية التي كان يترأسها
اهتمامي بهذا الموضوع يعود إلى عام 2021، أسابيع قبل انطلاق حملة الإنتخابات العامة ل8 شتنبر من نفس العام، تلبية لدعوة من بعض الأخوة الأصدقاء القدامى وبعض الشباب التقدمي والمتنور المنتمي لفدرالية اليسار الديمقراطي، للمشاركة بصفتي الشخصية غير منتمي لأي من مكونات الفدرالية، في ندوة حزبية حول موضوع الانتخابات ورهان الديمقراطية في المغرب.
في هذه الندوة عبرت انطلاقا من قناعتي الشخصية عن رأي مخالف تماما لرأي الإخوة الأصدقاء المنتمين للفدرالية المكونة آنذاك من (الحزب الإشتراكي الموحد وحزب المؤتمر الوطني الإتحادي وحزب الطليعة الديمقراطي الإشتراكي)، وكان رأيي في الموضوع؛ هو مقاطعة انتخابات 8 شتنبر 2021، نظرا لعدم توفر الشروط الديمقراطية للمشاركة فيها دستوريا وقانونيا وفي ظل سيطرة الفساد السياسي والإداري والانتخابي واستعمال المال الحرام في شراء الذمم وأصوات الناخبين وغياب آليات تنفيذية مستقلة لردع هذا الفساد المتفاحش.
وطبعا تم التعبير عن الآراء المختلفة في إطار من الاحترام المتبادل لكافة وجهات النظر مع ترك باب الحوار مفتوحا، على اعتبار أن الموقف من الانتخابات مهما كان- سواء بالمشاركة أو المقاطعة- فإنه ليس موقفا ولا قرارا نهائيا وإنما مرتبط بشروط محددة لأجل إنجاح العملية الديمقراطية في حدودها المعقولة والمقبولة خدمة لأوسع الجماهير من الشعب المغربي على رأسه الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء وعموم الكادحين والكادحات.
وتوضيحا لمسألة دعوتي من قبل أصدقاء قدامى وإخوة متنورين من بوزنيقة وليس من مدينة أخرى فإن ذلك راجع إلى إقامتي بها رفقة أسرتي قادمين إليها من الدار البيضاء؛ من 1967 إلى 1980، مدة 13 عاما في أعز فترة العمر، أي من سن العاشرة إلى 23 عاما.
لقد كانت هذه الفترة كافية بالنسبة لي لخوض مراحل الطفولة والشباب في هذه الحلبة الطموحة، وأيضا لكي أتلقى فيها – بمعية بعض الإخوة والرفقاء – المبادئ الأولية في العمل الجمعوي ومنه إلى تجربة العمل السياسي قبل الانتقال إلى خوض النضال الطلابي ابتداء من عام 1979 في إطار الاتحاد الوطني لطلبة المغرب بجامعة محمد الخامس بالرباط، وما تخللها من قسوة سنوات الجمر والرصاص، قبل الاندماج في النضال النقابي الصحفي..
وعلى الرغم من ابتعادي جسديا عن بوزنيقة منذ 1980، لم تنقطع صلتي ببعض الأصدقائي ورفقائي القدامى والشباب المتنور من الأجيال الجديدة بها. ولصدق وصلابة العلاقات الستينية والسبعينية.. فستعود لقاءاتنا تدريجيا، خاصة بمناسبة اقتراب موعد انتخابات 2021،
وفي لقاءات أخرى معهم، رغم علم كل منا بموقف الآخر أياما قبل انطلاق الحملة الإنتخابية لم أخفِ تعاطفي مع حماستهم تغيير الأوضاع المزرية ومحاربة الفساد ببوزنيقة عبر الانتخابات، أي محاولتهم تغيير الفساد من داخل عقر داره، دون أن أتخلى عن موقفي المبدئي(المقاطعة).
وهكذا عدنا لإحياء اللقاءات فيما بيننا على قاعدة بناء تصور لبرنامج عمل محلي شامل لكل القضايا المرتبطة بالمشروع التنموي الذي حرمت منه ساكنة المدينة على مدى قرابة نصف قرن من التهميش والإقصاء، أي منذ انطلاق المسلسل الانتخابي عام 1977، وأكثر.
وسارت الأمور بشكل طبيعي بنقاش هادئ وبتروي يتوخى صياغة “ميثاق محلي” يكون بمثابة عقد اجتماعي ما بين الساكنة المحلية ومرشحي فدرالية اليسار الديمقراطي. وتمت الموافقة على هذه الخطوة المنهجية النوعية في التعامل الحزبي مع المواطنين.. لكن وقع ما لم يكن في الحسبان؛ نبيلة منيب الأمينة العامة لحزب الإشتراكي الموحد تعلن بشكل مفاجئ مغادرة سفينة تحالف فدرالية اليسار الديمقراطي ما خلق نوعا من الارتباك والتوجس الحذر والنفور السياسي في صفوف مناضلي هذا التحالف على الصعيد الوطني لم يفلح التعاطف المحلي في رأب الصدع وتهدئته وتوقيف تداعياته.
ورغم هذه الهزة السياسية في الفدرالية فقد ظلت مجموعة الشباب الطموح متمسكة بحضورها ومقتنعة بقدرتها على خوض غمار المنافسة لمحاربة الفساد محليا وتقديم مشروع بديل من خلال تبني وثيقة تحت اسم “ميثاق بوزنيقة” ، الذي تم طبعه وتوزيعه بشكل جزئي.. لكن آلة الفساد الانتخابي كانت أقوى من طموحات الشباب المشارك لمحاربة هذا الفساد الذي أزكمت رائحته الأنوف ويمتثل اليوم أمام العدالة المؤسساتية في انتظار عدالة شعبية ديمقراطية ومواطنة تعطي المصداقية للاختيارات الشعبية خاصة في ميادين الصحة والتعليم والشغل والحرية والكرامة.
للتاريخ بمناسبة التطورات والتي يشهدها التهافت على الفساد الانتخابي. نعيد نشر مقتطفات من هذا ال”ميثاق بوزنيقة”، المفترض أن يكون بمثابة عقد اجتماعي بين الساكنة والمنتخبين، حالما تتوفر شروط القطيعة مع الفساد وبناء القاعدة الديمقراطية لانتخابات نزيهة، عبر النضال.
تقديم من “ميثاق بوزنيقة” هذا الميثاق مايلي:
… “أربعون عاما وما يزيد، أي منذ سنة 1977، جربت خلالها ساكنة بوزنيقة كل أشكال وألوان الفساد الإنتخابي. مدة زمنية طويلة لم تعرف سوى توسعا إسمنتيا ومضاربات عقارية بين البر والبحر وكثافة سكانية دون أي أفق لتنمية بشرية ممكنة. عبر استعمال المال وشراء الضمائر والذمم.
أربعون عاما توسطتها الانتفاضة الشامخة لبنات وأولاد بوزنيقة في عام 1993، كرد فعل وجواب ميداني على سياسة التهميش وفرض الأمر الفاسد على سياسة التسيير والتدبير الجماعي خدمة لمصالح لوبيات العقار والترامي على الملك العمومي بما ضيق الخناق يوما عن آخر على الساكنة.
انتفاضة 93، وإن كان هدفها الظاهر احترام إرادة الناخب، فإن مضمونها ظل إلى غاية اليوم، كما هو: المطالبة بتحقيق الكرامة والعدالة الاجتماعية لمختلف الفئات القاطنة بالمدينة، وعلى رأسها *المرأة والشباب والطفولة*، باعتبارهم أول ضحايا سياسة سماسرة الانتخابات.
وردا للاعتبار لانتفاضة 1993، التي مازالت مضامينها قائمة، ومن أجل تحرير بوزنيقة من الفساد الإنتخابي وإرساء قواعد تصور تنموي ينسجم مع الهوية البيئة والاجتماعية والاقتصادية للمدينة، فقد ارتأت ثلة من شباب المدينة ذكورا وإناثا (…) رفع شعار: “تحرير بوزنيقة من الفساد والمفسدين”. واقتلاعه من الجذور.
ويتكون “ميثاق بوزنيقة”من محورين.
أولاً: المحور البشري:
يسجل الميثاق الإهمال الممنهج الذي تعرض له العنصر البشري من ساكنة المدينة على يد الدولة، منذ الاستقلال، والأحزاب الإدارية المتعاقبة، لأزيد من أربعة عقود من تدبير شؤون المجلس الجماعي.
واستعرضت الوثيقة جملة من مقترحات المشاريع الملائمة لطبيعة المنطقة منها
1- الحاجة لإحداث معهد لمهن الممرضين والممرضات ببوزنيقة.
2- إنشاء مرسى للصيد التقيلدي على ساحل المدينة.
3- إحداث وحدات للصناعة الغذائية.
4- إنجاز ورشات رياضية لتأهيل أبطال وبطلات في الألعاب الأولمبية.
5- إحداث معهد للفنون المعاصرة والفنون الجميلة.
6- تأهيل الشباب في الدراسة والتكوين في التكنولوجيا الرقمية.
7- إعطاء الإهتمام الكامل لمؤسسات التعليم العمومي ورد الاعتبار والدور الريادي لها.
ثانيا: المحور الإداري
1- تخليق مرافق الإدارة الجماعية عبر تخليصها من فساد الرشوة والمحسوبية والزبونية. وتأهيل الكفاءات.
2- إرساء قواعد الحكامة والشفافية في التدبير والتسيير الإداري الجمعاتي.
3- تنظيم دورات تكوينية والتكوين المستمر لفائدة موظفي ومستخدمي الجماعة في القضايا القانونية والحقوقية والتقنية
4- إرساء وتعميم الإدارة الرقمية في مختلف المرافق الإدارية للمجلس الجماعي.
5- تسوية الوضعية الإدارية للمناطق الملحقة حديثا بالمدار الحضري
6- تسهيل ومراجعة الضريبة على الأراضي غير المبنية
7- تحصين أصحاب الأراضي الفلاحية الملحقة بالمدار الحضري من تلاعبات السمسرة وضغوطات الفساد الإداري، وترك الحرية لأصحاب هذه الأراضي في عملية البيع والشراء.
وعلى أي، يبقى هذا نوع من الحلم الجماعي الذي لن يبلى بعد أن يبلى الفساد.