حجيبة باسو
بكل أسى، ما نراه اليوم في مؤسساتنا التعليمية لم يعد مجرد انزلاق سلوكي عابر، بل هو انعكاس لفوضى بنيوية تشارك في صناعتها منظومة فاسدة متواطئة مع العنف والانحراف. ظاهرة التشرميل بين التلاميذ، و تحول الخلافات التافهة إلى معارك دموية، ليست سوى نتيجة حتمية لمجتمع تُسَيّر فيه السياسات العمومية بمنطق اللامسؤولية، حيث تتعايش الرداءة مع المحسوبية، وينتشر الإجرام بتواطؤ صامت مع الفساد.
كيف لا يتفشى العنف، و نحن نرى القنوات الرسمية تمجد التفاهة، و تشجع التسول و التشرميل من خلال مسلسلات هابطة لا تقدم غير الهشاشة الأخلاقية كنموذج يُقتدى؟ كيف نطلب من التلميذ أن يحترم المؤسسة التعليمية، و هي نفسها غارقة في مستنقع الفساد، من الجامعة التي تباع فيها الشواهد مقابل الجنس، إلى الثانويات حيث الدروس الخصوصية تحولت إلى باب للابتزاز، و صولا إلى الابتدائيات التي لم تسلم من هذا الوباء؟
بل أكثر من ذلك، أصبحت الرشوة عملة جارية تختلف قيمتها باختلاف نوع الخدمة، فالمؤسسات تشتغل لا بضمير و لا برسالة، بل تحت ضغط “كم تدفع؟”. كل هذا، يفرغ القيم من معناها، و يزرع في عقول الناشئة أن العنف و الاحتيال هما الطريقان الوحيدان للنجاة.
لقد صار العنف المدرسي مرآة مكسورة لمجتمعنا المأزوم، و المطلوب ليس فقط الحزن على سلمى أو على الأستاذة التي ذبحت في أرفود، بل المطالبة بمحاسبة منظومة كاملة تخلت عن دورها، و ساهمت بصمتها و خنوعها في ذبح الوطن من الوريد إلى الوريد.