جمال المحافظ
أفادت أطروحة لنيل الدكتوراه بعنوان: ” التنشئة الاجتماعية من خلال الفنون الرقمية: الألعاب الرقمية لدى مجتمع المراهقين المتمدرسين بجهة الرباط سلا القنيطرة نموذجا” قدمتها يوم الجمعة12 يناير الجاري الطالبة الباحثة الأستاذة سعاد البحري برحاب كلية علوم التربية بالرباط، أن الفنون الرقمية تساهم بشكل كبير في التنشئة الاجتماعية للمراهق المتمدرس المغرب.
وأشارت إلى أنه تبين من خلال البحث في نموذج الألعاب الرقمية، كيف تساهم هذه الفنون في التأثير على المراهقين المتمدرسين، أخذا بعين الاعتبار مجموعة من المتغيرات التي تم اختبارها والوقوف عند نتائجها، ليتأكد حجم التغيرات المجتمعية التي طالت المجتمع المغربي، كما باقي مجتمعات العالم مبرزة أن الدراسات أكدت التخوف الذي أصبح يسري داخل المجتمعات من هذا التوغل المخيف للرقمنة.
تعديل السلوكات
ونتيجة ذلك ترى الباحثة، أنه أصبح يفرض على المجتمع المغربي التأهب لمسايرة التنشئة بمحددات ومقولات العصر الذي تنتمي إليه الأسر المطالبة بتعديل الاتجاهات والسلوكات ومسايرة العصر الجديد بما يفرضه من هيمنة متعددة الأوجه للمجال الرقمي. ولاحظت أنه لم تعد الأسرة تمارس دورها التنشئوي النوعي الذي مارسته لأجيال، كناقلة لثقافة المجتمع بلغته وقيمه وأعرافه.
وأوضحت أن الأسرة تخلت عن كثير من أدوارها لانشغالاتها ولخروج الوالدين معا للعمل، فتولت المهمة التنشئوية أيضا مؤسسات أخرى منها مؤسسة الفنون الرقمية.
وأكدت بأن الانعكاسات التي تم الوقوف عندها في هذا البحث، تبين بالملموس حجم التأثير الذي تمارسه هذه الفنون على المراهقين، وما تفرضه شاشات الألعاب من اتجاهات وسلوكات جراء الاختلاط بالآخرين من قبيل التحرش والتنمر، وما تعكسه خلفية المراهقين من رغبة في تقليد الشخصيات واستعارة أسمائهم وصورهم.
وفي هذا السياق أوضحت الأستاذة البحري، أن هذا ما يشكل عدد ساعات اللعب ومدته من استيلاب لزمن الأنشطة الأخرى المخصصة للدراسة أو الرياضة وغيرها، وما يعكسه رفض عينة البحث من الخروج من مجال الإبحار الرقمي والتوقف عن اللعب، وغيرها من المتغيرات التي بينت بالملموس حجم مساهمة التنشئة الفنية الرقمية في المراهقين الذين أكدوا أن ولوجهم لهذه الألعاب والاقبال عليها، يساهم فيه ما تزخر به من جمالية فنية، وإن اختلفت اتجاهاتهم وميولاتهم نحوها، وهو ما جعل تقنيات تصميمها وشكلها من حيث جودة الصور، الرسوم، الألوان، الديكور… تحظى بأعلى نسبة اهتمام ( 42,4% ) مقارنة بباقي العناصر الفنية الأخرى.
متعة وتسلية
بيد أن عينة البحث، أجمعت على التوقف عن متابعة هذه الألعاب في حالة غياب هذه الفنون الرقمية، بنسبة ( 87.13% )، خاصة وأن ما يجذب المراهقين إلى هذه الفنون هو ما تخلقه من متعة وتسلية وفرجة أكثر من أي شيء آخر. وفي هذا الصدد قالت الطالبة الباحثة أنه : ” عند التأمل في أبعاد المساهمة التنشئوية لهذه الفنون الرقمية على المراهقين المتمدرسين المغاربة، نتساءل مرة أخرى عن أوجه هذه المساهمة، وأبعادها، لنقف عندما أكدت هذه الدراسة من مساهمة بشكل كبير تأخذ المنحى السلبي أكثر من الإيجابي” .
وإذا كانت أطروحة الدكتوراه، قد توقفت بالتحليل عند تأثيرات الفنون الرقمية وانعكاساتها الصحية المتعددة الأبعاد، وانعكاساتها التعليمية والدراسية والعلائقية والأسرية والاجتماعية والزمنية والمالية وغيرها، فقد تأكد للباحثة أيضا التغيير في أنظمة الشخصية بناء على مستوى الإقبال على نوع الألعاب الذي لم يعد يتحدد بالجندرة، وبنوع الجنس، حيث أصبحت الفتيات يلجن المغامرة القتالية ويفضلن هذه الألعاب، مقابل أنواع أخرى حظيت باهتمام الذكور والتي كانت تعد إلى زمن قريب مجالا تفضيليا لدى الإناث.
تغير مجتمعي
وفي هذا الصدد خلصت الأستاذة البحري الى القول أن ذلك ما يعكس حجم التغير المجتمعي الذي ساهمت فيه مجموعة من العوامل، لاسيما ما اعتبرته بطابع التأثير الذي تفرضه الوسائط الرقمية، لتقف في مستوى آخر على ما تفرضه هذه التنشئة الاجتماعية للفنون الرقمية من تأثير ومساهمة من خلال تقليد شخصيات الألعاب الرقمية، مبرزة أن نتائج البحث عكست الاهتمام بشخصية
“كريتوس”Kratos التي حظيت باهتمام ( 70.4% )من أفراد العينة وهو ما دفع إلى التساؤل عن سبب اهتمام أغلب أفراد العينة بهذه الشخصية، و البحث عما ترمز إليه فنيا وعلى مستوى اللعب الرقمي، لتظهر نتيجة البحث أن هذا العمل الفني الذي يدخل ضمن سلسلة باسم ” إله الحرب God of War ” هي كل متناسق من الفن الرقمي من رسوم وصور وموسيقى… وهو ما ساهم في سرعة نجاحها.
وبخصوص التخوف من مستقبل الأبناء في ظل الإقبال على الألعاب الرقمية، لاحظت الباحثة أن ذلك، لا يعكسه فقط الفنانون المبدعون الذين أخرجوا إلى حيز الوجود أعمالهم التي تعبر عن التقتيل والعنف وتدعو إلى الكراهية والتعطش للدماء، وإنما هو تخوف كل أفراد المجتمع، بأطيافهم وفئاتهم، (تمت ملاحظة التخوف والقلق على وجوه وملامح الأسر أثناء الإجابة عن أسئلة المقابلة)، لأن هذه الأعمال الفنية هي مدعاة للإبادة الجماعية، وتهدد تنشئة الأجيال على السلم والسلام والحوار ونبذ الإقصاء والعنف والتطرف.
إعادة النظر في التنشئة
ولاحظت أن في بعض الألعاب الرقمية، هناك ما يرمز للكراهية عبر الأسلحة والصور والنماذج الفنية التشخيصية، كلعبة بابجي (PUBG) وفري فاير(Free Fire) و (JTA) اللعبة المثيرة للجدل والتي تعمق مع تطور نسخها التي وصلت إلى النسخة السادسة، تأثيرها الكبير على المراهقين، وهوما يقتضي – في نظر الباحثة –” التفكير الجدي في إعادة النظر في التنشئة الاجتماعية المغربية وسبل حماية أبنائنا من انعكاسات هذه الألعاب على تنشئتهم الاجتماعية”.
وقد منحت للطالبة الباحثة سعاد البحرى ميزة مشرف جدا، مع التنويه بها من طرف لجنة المناقشة التي ترأسها الأستاذ عبد اللطيف كيداي عميد كلية علوم التربية، وعضوية الأساتذة حسن يوسفي مشرفا وفوزية البيض مقررة وفوزي بوخريص مقررا.